يا سيد الخطباء والله ما اعتلى منابرها مثلك

إنه سيدي الشيخ عبد الحميد كشك الذي أحلف بالذي لا أحلف إلا به سبحانه؛ انه ما اعتلى منابرها -التي كانت يوماً ما عامرة- مثله.. ذلك الزاهد الصادق البصير المستبصر، سيد الخطباء بل سيد الشهداء ولو مات في سجوده كما رجى وتمنى.

كان بارعاً بليغاً أديباً اريباً، حلو المزحة لطيف الحديث طلق اللسان عجيب البيان.

واستطاع أن يحقق معادلة لم تحققها الحركة الإسلامية برموزها وخطبائها بهذا القدر من النجاح قط، فهو الوحيد تقريباً الذي كنت تسمع صوته يشدو من سيارات الأجرة وعلى قارعة الطريق وفي المقاهي..

وكان له مع أسماء الله الحسنى وصفاته العلى شأن وأي شأن، وكان يهيم في خطبته أحياناً -بارعة- يسرح فيها كأنه انفصل جسدياً وروحياً عن المنبر والمسجد والجمهور، هام فحام في مكان آخر ليس ههنا؛ يفارق ما حوله وينفصل ويحلق؛ وكانت تحضره هذه الحالة من الوجد أو إن شئت قلت الكشف والهيام، إذا استحضر أحد أمرين:

الأول: الأسماء الحسنى التي تميز بصدق التبتل بها والتمعن فيها، والثاني: استحضار مقام الله وذاته العلية والتوجه بالدعاء إليه.

فتجده حيناً ذات فجاءة انفصل عن موضوع الخطبة وأخذ في الدعاء في غير ختام، وأخذ يناجي الله مناجاة المحتاج المفتقر المتذلل ينشد العفو والغفران.

ثم يرجع فجأة كما ذهب ليسل سهامة ويرمي بها الظلمة والمفسدين، لعمر الله لكم جلدتهم يا سيد الخطباء من فوق منبرك كما جلدوك في اقبية سجونهم وزنازين معتقلاتهم.

كان هو الضاحك الباكي في غير نزق ولا تكلف، واستطاع أن يحقق معادلة لم تحققها الحركة الإسلامية برموزها وخطبائها بهذا القدر من النجاح قط، فهو الوحيد تقريباً الذي كنت تسمع صوته يشدو من سيارات الأجرة وعلى قارعة الطريق وفي المقاهي، لقد غزا الشيخ المجتمع كله وبلغ صوته الجهوري العميق الشجي كل بيت ومنزل، فاقترب من كل فرد في الامة كبيراً أو صغيراً رجلاً أو امرأة؛ ذلك انه أحب هذه الامة فأحبته ودنا إليها فتنزلت إليه، رغم أنه لم ير قط إلا شامخاً مرفوع الرأس.

فرحمة الله عليك يا سيد الخطباء


التعليقات