سياسة (عدم الانحياز) لدى أدعياء العلم في ميزان القرآن

كثير من أدعياء العلم يرضى عن نفسه بأنه اتخذ موقفا وسطا في صراع ما ولم ينحز لطرف من الطرفين ولا يجهد نفسه بمعرفة من المحق ومن المبطل ولا يبالي بمن الظالم ومن المظلوم.. متوهما أنه بذلك نجا من الأذى وسلك طريق السلامة.. ونسى المسكين أنه بذلك خسر نفسه ودينه وتنكب طريق الاستقامة..

فلا يقبل منك إن كنت مسلما حنيفا أن تنتهج سياسة (عدم الانحياز).. بل يجب عليك دوما أن تكون مائلا عن الباطل منحازا للحق..

تأمل معي قول الله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} أي: دين الاستقامة والاعتدال هو أن تخلص في عبادة الله بحيث تكون مائلا (حنيفا)..

فكيف تكون الاستقامة في الميل؟

تكون الاستقامة في الميل عندما يكون هذا الميل ميلا عن الضلال والباطل.. ففي مفردات القرآن للراغب الأصفهاني: الحَنَفُ: هو ميل عن الضّلال إلى الاستقامة..

فلا يقبل منك إن كنت مسلما حنيفا أن تنتهج سياسة (عدم الانحياز).. بل يجب عليك دوما أن تكون مائلا عن الباطل منحازا للحق..

وهذا الاستحضار السلبي للباطل والضلال في مفهوم الحنيفة هو ما دعى الإمام ابن كثير لأن يعقب على تفسيره لهذه الآية من سورة البينة بقوله: (ولهذا قال: حنفاء، أي: مُتَحنفين عن الشرك إلى التوحيد. كقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [ النحل: 36 ])..

واستحضار اجتناب الطاغوت في أصل الملة يدحض بما لا يدع مجالا للشك التأصيل الأعوج الذي يبرر العمل للدين بعيدا عن اجتناب الطاعوت والكفر به..

واستحضار اجتناب الطاغوت في أصل الملة يدحض بما لا يدع مجالا للشك التأصيل الأعوج الذي يبرر العمل للدين بعيدا عن اجتناب الطاعوت والكفر به.. فيجعل من الاقتصار على (نشر العلم) المرضي عنه والمسموح به مثلا جهادا.. في مقابل الجهاد بالقرآن ومقارعة الطواغيت بقذائف الحق..

هذا التأصيل الأعوج هو تأصيل للاستسلام والهروب من واجب الحنيفية وهو إعلان البراءة بغضًا وعداوة لأهل الباطل.. {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}.

وإذا كان نشر العلم عبادة.. فشرطها الإخلاص.. وتحقيق الإخلاص على قدر تحقيق الحنيفية.. من الكفر بالطاغوت والإيمان بالله.. ومن فعل ذلك فقد حقق (لا إله إلا الله) واستمسك بالعروة الوثقى.. {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا}..


التعليقات