كلمات في العقيدة (1)

[ 1 ] المعرفة بالله

جاء الوحي يعرف الناس بربهم من أقرب الطرق، ويستحثهم على ثمرة ذلك من حسن معاملة رب الناس.

فجاء شياطين الجن والإنس، ووضعوا الشبهات في طريق المعرفة، لتتبدد طاقة الناس في محاولة إثبات المعرفة أو نفيها، ولينقطعوا عن المقصود (وهو المعاملة) التي بها السعادة والنجاة.

[ 2 ] أهل الأهواء

سمى السلف أهل الفرق الذين ابتدعوا في أصول الدين “أهل الأهواء”، إشارة إلى الباعث على الانحياز إلى الفرق المبتدعة وهو “الهوى”، وتقريرا أن الشبهات إنما كانت – في الأغلب – رداء يغطي الشهوات، فقد سمع السلف وعقلوا قول ربنا – سبحانه وتعالى -: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله).

[ 3 ] مصطلح العقيدة

لم يأت مصطلح “العقيدة” في الوحي، وإن جاء معناه، لكن المصطلح الذي جاء في الوحي للدلالة على هذا المعنى هو “الإيمان”.

وإذا كان مصطلح “العقيدة” قد صار أكثر اتصالا بالقضايا العلمية، فإن مصطلح “الإيمان” يبقى أكثر اتصالا بالقضايا العملية، فالإيمان اعتقاد.. وعبادة.. وأخلاق.. ومواقف.. وتضحية في سبيل الله.

[ 4 ] حقيقة التوحيد

حقيقة التوحيد: انجذاب الروح بالكلية إلى الله – تعالى -، فلا يكون القلب ملتفتا إلى غير مولاه – عز وجل -، لا حبا، ولا خضوعا، ولا خوفا، ولا رجاء، ولا اعتمادا.

وهذا هو الذي يثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة، أو يخف.

[ 5 ] حقيقة التأليه

حقيقة التأليه: التعظيم مع الحب الذي يعبد المخلوق للخالق، فيثمران خوفا ورجاء يحركان الإنسان تقربا للمعبود، كما يثمران اعتمادا وركونا إلى من لا تطمئن القلوب إلا به.

لهذا كان هناك (من اتخذ إلهه هواه).. وهناك من تعبدوا لمخلوقين (يحبونهم كحب الله).. ويبقى (الذين آمنوا أشد حبا لله) من حبهم لسواه.

[ 6 ] العلم النافع

لا يكون العلم ممدوحا ونافعا، إلا بمقدار ما يثمر من العمل الصالح.

حتى العلم بأشرف معلوم، بالله رب العالمين – سبحانه وتعالى -، فلو لم يثمر العبودية بالعمل الصالح، لكان حجة ووبالا على صاحبه، كعلم الشيطان بالله، لم ينفعه، بل كان أشقى الخلق به.

لذلك كان – صلى الله عليه وسلم – يستعيذ بالله من علم لا ينفع.

[ 7 ] عطاء الإيمان

الإيمان أعظم عطاء رباني يعطيه للعباد، لذلك لا يغرسه الحكيم إلا في القلوب التي تليق به.

فمن صفا قصده عن شوائب الأغراض الدنيوية،ولزم الشكر على أنواع الهبات الربانية، تأهل قلبه للاختيار، واصطفاه مولاه لدرجات القرب المتفاوتة.

لذلك افتتح البخاري صحيحه بـ”كتاب بدء الوحي” .. “باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -” وقول الله – جل ذكره -: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده)، ثم روى حديث : “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”.

[ 8 ] العقيدة دلائل ومسائل

العقيدة تتضمن دلائل ومسائل، وقد يوافق بعض الناس الحق في المسألة المعينة.. لكن مأخذه في الاستدلال لا يكون من مآخذ أهل الحق، فتحمد موافقته للحق فيما وافقه، ويخطأ فيما جانبه فيه.

والعكس صحيح أيضا، فقد يوافق بعض الناس أهل الحق من جهة الدلائل المجملة.. لكنه يفوته الحق الذي قرروه في المسألة المعينة، فتحمد أيضا موافقته للحق فيما وافقه، ويخطأ فيما جانبه فيه.

[ 9 ] العقيدة حقائق وحدود

تتضمن العقيدة حقائق حية وحدودا ضابطة، فمن اعتنى ببناء الحقائق، ولم يحفظها بالضوابط.. لم يأمن من انحراف، يعود على شيء من إيمانه بالنقص.

ومن اعتنى بضبط الحدود، ولم يحيها بالحقائق.. لم يأمن من تناقص إيمانه إلى دركات الفسوق وربما النفاق، وهو غافل عنه.

وإنما مثل الأول كمن يضع الجواهر في بيت بلا أبواب ولا أسوار.. فكنوزه عرضة لنهب السراق، وإنما مثل الثاني كمن رفع الأسوار وأحكم الأبواب وربما حفر الخنادق، حول أرض جرداء.. فهي خربة مآلها إلى الوهم أو الانهدام.

والموفق من اتزن في جمعه بين إحياء الحقائق، وحفظها بالضوابط.

[ 10 ] العقيدة الصحيحة

العقيدة الصحيحة تفهمها العقول، وتنصرها الألسنة، لكنها لا تنغرس إلا في أصول القلوب.

لذلك جعل الله سحرة فرعون نموذجا للإيمان، وكرر ذكره على الناس، فمع أنهم لم يسمعوا إلا أصولها البسيطة، ولم يتكلموا إلا عن عاقبتها المفهومة.

إلا أنهم حققوا أعظم دليل على انغراسها في أصول قلوبهم، حين نصروا الحق بأرواحهم، وآثروا يقين الآخرة على رغبة الدنيا ورهبتها.

[ 11 ] الإيمان فقط

الإيمان فقط .. هو الذي يجعل للحياة أهدافا تعطيها قيمتها،هو الذي يجعل للصبر على المحن أملا يهون ألمها، هو الذي يجعل للحياة امتدادا يتجاوز حدود الدنيا بكل نقصها، إلى الآخرة بكل كمالها، هو الذي يستخرج أجمل وأكمل ما في إنسانية الإنسان، ويحرره من أغلال الدنايا وأهلها، هو الذي يمنح السعادة بسبب الإرادة، لا بسبب وجود نعمة أو فقدها.

[ 12 ] أصحاب العقيدة الصحيحة

إذا كان أصحاب العقيدة الصحيحة.. ليسوا بالقطع هم أولئك الغافلون عن الله، فلا يذكرونه، ولا يتعرضون للتذكير به، فإنهم ليسوا أيضا أولئك الذين يتكلمون عن الله، أو يستمعون للكلام عنه .. فقط، بل هم أولئك الذين يتعاملون مع الله، من خلال ذكر حي، وبناء على معرفة يقينية صادقة.

فأصحاب العقيدة الصحيحة ينتقلون من الاستماع إلى كلام الله، إلى أن يكون لهم كلام ومعاملة مع الله.

[ 13 ] الاعتقاد هو المحرك للإنسان

ويبقى الاعتقاد هو المحرك للإنسان، سواء أكان الاعتقاد حقا أو باطلا، أو حتى اعتقادا بالمادية ونفي الغيب.

لذلك فلا عجب أن نرى الصراع في العالم، ينطلق من خلفيات اعتقادية، ولا عجب أن نرى واحدة من أشرس الحملات، تحاول تجريف وتغييب العقيدة الإسلامية.

الآن نرى الصرعى والمصابين، يتساقطون هنا وهناك، الآن نرى الضعاف يشتكون، بينما هم أيضا يتشككون، لكنها طبيعة المعركة، خاصة عندما لا تكون متكافئة ماديا.

إننا نرحم الناس، ونشفق على الضحايا، ونتمنى لو نستطيع مساعدة الضعفاء، لكننا لن نستطيع أداء ذلك كما نحب حقا، مهما حاولنا.. إلا بنصرة لعقيدتنا، تغير واقعنا، وواقع الذين ينتظرون من حولنا.

 


التعليقات