الإنقلاب بين مصر و تركيا

ما بين إنقلاب تركيا الفاشل و إنقلاب مصر الذي مازالت تتوالى تبعاته و آثاره ، تدور الأفكار وتنعقد المقارنات و التساؤلات.

– الهزّة التى أصابت تركيا .. هل هي تمثيلية مفتعلة أم هو إنقلاب عسكري ؟
تفاوتت آراء الناس بشأن أحداث تركيا بين من إعتبرها تمثيلية من إخراج و إعداد أردوغان ليظهر بها نفوذه ؛ و بين من عدها إنقلابا عسكريا ضمن سلسلة الإنقلابات التى شهدتها تركيا في عصرها الحديث.
و الحقيقة أن ماحدث في تركيا ليس أياً من الصورتين ، فلا هي تمثيلية مفتعلة ، و لا هو إنقلاب عسكري للجيش . إنما كان محاولة إنقلاب لتنظيم جماعة الخدمة عن طريق جناحها المسلح . فليس هو على غرار إنقلابات الجيوش إنما هو أقرب لمحاولة تغيير قام بها تنظيم سري . صحيح أن قطاعات من الجيش كانت تترقب بل تتربص أي تطور في المشهد قد يدفعها لأخذ مسار مختلف تجنح فيه بالأحداث لواقع مغاير . لكننا مع ذلك لا يمكننا إعتباره إنقلابا للجيش .

 في مصر … هل إنقلب العسكر ؟

على النقيض من ذلك نجد أن العسكر في مصر لم يكن قد تخلى عن الحكم حتى يعود ليسيطر عليه ، يمكن أن يكون قد إتخذ خطوات للوراء و تراجع قليلاً عن الصدارة أمام مطارق الثورة ، لكنه لم يكن قد تخلي حقيقة و لم يبتعد كثيراً عن عرش مصر حتى مع وجود من يعاديه في سدة الحكم .
لقد كانت كل المؤسسات السيادية تحت يديه و طوعه و كل الإدارات رهن إشارته . و كانت دولته العميقة متغلغلة و مازالت مسيطرة . فكان إنقلابه مجرد إنقلاب على مؤسسة الرئاسة و فقط .و هذه الأخيرة عاشت كجنين معزول عن محيط أمه ، عاجز لا يتغذى و لا ينمو بل يختنق و يضحي .

لسنا هنا بصدد مناقشة ما كان يلزم مؤسسة الرئاسة للتعامل مع مثل هذه الحالة الإستثنائية في أوضاع الدول .. و لا عن فكرة إستبدال الحاضنة الشعبية بالهيكل التنظيمي لباقي مؤسسات الدولة ، أو التقوي به أمام المنظومة المعادية لكنا نريد أن نثبت أن العسكر لم يرحلوا حتى يعودوا للحكم . لذا فإن عقد المقارنة بين التجربتين التركية و المصرية لا يصح ، إلا أن تكون مقارنة مع الفارق حتى يصح لنا الحديث .

دروس لا تمر:

تمثل أحداث تركيا حصيلة ثرية للباحثين في مجال حركة المجتمعات و سياسات الأنظمة و حركات التغيير . و هي بالنسبة للحركة الإسلامية نموذج مميز لابد من دراسته و تجربة يحسّن تأملها ، خاصة أن بوسعنا الإستفادة من حصيلتها من دون أن ندفع ثمن خوضها .

و السؤال الأول الذي يجدر بِنَا الإبحار فيه لإيجاد ثمراته :

لماذا فشل الإنقلاب في تركيا ؟
يكمن أهمية هذا السؤال في أن موضع أغلب الحركات الإسلامية شبيه بموضع ” الإنقلابيين في تركيا ” فالإنقلابيون هم تنظيم حاول الإطاحة بنظام حكم مركزي .
و هذا يمثل حال كثير من الحركات الإسلامية التى تنشد تغيير واقعها . إن المعادلة التى لا بد أن تدرك قوانينها هى التى تستطيع من خلالها حساب مقدار الإختلاف في موازين القوة التى أدت لفشل الإنقلاب ؟ فرغم أن جماعة الخدمة لديها تنظيم قوي متماسك له قيادة آسرة و حضور شعبي و إجتماعي و قاعدة إقتصادية صلبة ، و آلة إعلامية ضخمة و تغلغل في كل مؤسسات الدولة و أجهزتها السيادية ، مع ما تتمتع به من علاقات دولية ونفوذ عالمي و تمرير غربي و في ظل وجود ذراع مسلح ليس على شكل ميليشيا بل وحدات عسكرية حركت مايقارب العشرة آلاف جندي و إستخدمت الدبابات بل الطائرات في تحركها بيد أنها و مع كل هذه الإمكانات فشلت في أحداث الإنقلاب .

أما السؤال التاني :

كيف إستطاع أردوغان تلافى هذه الضربة ، و كيف ردها و إستثمرها لصالحه ؟
كيف إستثمر القوة الشعبية لصد الإنقلاب من جهة ، و الإرتكاز عليها في قيامه بعملية التطهير بعد فشل الإنقلاب من جهة أخرى ؟
كيف حجم الزخم الشعبي لجماعة الخدمة ؟ و ما السر وراء عدم دعم حاضنة الخدمة الشعبي للتحرك العسكري ؟
كيف حرك مؤسسات الدولة لصد الإنقلاب ؟ و كيف حقق التوازن النسبي بين الجيش و الشرطة ؟ و ما وراء خطة تعزيز الشرطة بأسلحة ثقيلة ؟
أهمية إمتلاك قاعدة بيانات مُعِّدة مسبقاً و قيمة الإجراءات المسبقة ضد الخدمة . إحتواء و تطهير و إعادة هيكلة الجيش و تغذيته بدماء جديدة و تغيير عقيدته.
هذه النقاط و غيرها وصفة جاهزة للتعامل مع إنقلابات محتملة لمن هو في موضع السلطة .

والله أعلم


التعليقات