الهند المسلمة .. قصة مؤامرة

الهند وباكستان دولة قسمت إلى قسمين ، وشعب صار شعبين ، ومع ذلك فإن كل أمة منهما تقلبت في مسارين مختلفين .
عاشت الهند في ظلال استقرار سياسي انعكس على مسيرة التنمية فيها ، في حين كان لباكستان قصة أخرى ، فهي دولة تعاقبت عليها انقلابات عسكرية حرمتها من حالة الاستقرار ، فتعثرت خطوات التنمية ، وتأخرت عن اللحاق بجارتها اللصيقة وعدوتها اللدودة الهند .

قد يجتهد البعض في تحليل هذا الاختلاف ، لكن هناك حقيقة لا يمكن أن تغيب عن المدقق ، ألا وهي الدور الكبير الذي شكله المستعمر لصناعة هذه الحالة ، وهذا يدفعنا إلى إماطة اللثام عن نظرة المستعمر – حامل لواء الحضارة الغربية- إلى بقية الأمم والحضارات وتقييمه لها .

لقد أدرك الغرب أن باستطاعته إذابة كل الحضارات والثقافات في حضارته وثقافته ، واحتوائها تحت عباءته ، ولا يستثنى من ذلك إلا الحضارتان الإسلامية والكونفوشيوسية (الصينية) .

لذا نجد الغرب لا يتعامل مع كثير من هذه الحضارات والأمم بعدائية مطلقة ، فألمانيا واليابان –الخصمان اللدودان للغرب الاستعماري في الحرب العالمية الثانية – سُمح لهما ببناء دول متقدمة وكيانات اقتصادية عملاقة ؛ ذلك بعد أن كسرت إرادتهما وخضعتا لهيمنة الحلفاء ودخلتا تحت طاعته ، واندمجتا في ثقافته .

وهنا يتضح لنا الفارق بين تعاطي الغرب مع ملف الهند وتعاطيه مع ملف باكستان ، فالهند بلد احتوي وأذيب في ثقافة الغرب ، وابتلع منظومة المستعمر بحيث لم يعد يشكل خطرا ، بل قد يعتبر حليفا من المصلحة تقويته لاستخدامه كذراع إقليمية له . بخلاف باكستان المسلمة التي تمثل العدو الذي لا يمكن احتواؤه .

ولو أننا أخرجنا البعد الغيبي وحقيقة الصراع الكوني بين الحق والباطل من تصورنا لطبيعة العلاقة بين الحضارات في العالم ، فإننا نفاجأ أنه لا مناص من حتمية التصادم بين الحضارتين الإسلامية والغربية .

ومع أن الحضارة الإسلامية اشتركت مع الكونفوشيوسية في استعصائها على التذويب والاحتواء الغربي ، إلا أنها تميزت عنها بأنها حضارة توسعية تحمل رسالة لتنشرها في العالم ، وتحتضن بها كل الأمم والشعوب ، وتتبدد أمامها كل الحضارات ، حتى طرقت طلائع المسلمين أبواب الغرب نفسه ، وقرعت حوافر خيولهم بلاط حواضره ، وأشعت مناراتهم الثقافية على جوانب حياة أوروبا الثقافية والاجتماعية . بخلاف الحضارة الكونفوشيوسية (الصينية) ، فإنها بطبيعتها منكفئة على نفسها ، لم يعرف لها طموحات توسعية ، ولا تحمل مشروعا تبشيريا لحضارتها ، حيث شكل اتساع بلادهم وتطرفها ووفرتهم العددية إلى الانغلاق على الذات وكأنهم في كوكبهم الخاص لا يحتاجون لغيرهم ، هذا غير عائق اللغة الذي لا يؤهلهم لنشر ثقافتهم .

نعود مرة أخرى إلى قصة الهند ، قصة مؤامرة كبرى أدارتها بريطانيا الاستعمارية .
الهند كانت دولة إسلامية غالبية سكانها من المسلمين وتعاقب عليها حكام مسلمون على مدار قرون عديدة ( الغوريون – الغزنويون – المغول المسلمين ) ، وبعد احتلالها عانت بريطانيا من مقاومة وجهاد الشعب المسلم والأمراء المسلمين ، وقد علمت أنه لابد لها يوما ما من ترك الهند ، ومعنى خروجها من الهند تسليمها مرة أخرى للمسلمين وهو ما يمثل خطرا على مصالحها .
فتعاملت بريطانيا مع هذا الموقف بحزمة من التدابير ، منها صناعة أفكار منحرفة وترويجها ( القديانية – الاسماعيلية – البهائية ) ، تلميع وإبراز نمط من المقاومة غير العنيفة الرافضة للجهاد وتقديمه أنه الصورة المثالية والنرجسية للنضال ، صناعة رمزية لهذه المقاومة السلمية ” غاندي القادم من جنوب إفريقيا ” وإبرازه بصورة زعيم وبطل الاستقلال كبديل عن قادة الجهاد الإسلامي ، وعلى رأسهم العلماء وأهل الحديث الذين قادوا الجهاد المسلح والمقاومة الشعبية من اعتصامات ومظاهرات تخرج من المساجد والجامعات الإسلامية . وأخيرا حياكة خطة لتقسيم الهند وإخراجها عن دائرة الحكم الإسلامي .

تمثلت مؤامرة إخراج الهند من تحت الحكم الإسلامي ، باقتطاع جزء صغير من الهند وفصله عنها ، وتجميع أعداد كبيرة من المسلمين فيه ، ليتشكل على هذه البقعة فقط دولة مسلمة ( باكستان ) فيصبح المسلمون في باقي شبه القارة الهندية أقلية ، وتخرج حكم الهند من تحت أيديهم إلى غيرهم . وقد شارك في مشروع التقسيم عن الجانب المسلم وتبني فكرة إنشاء دولة باكستان ( أرض الطهارة ) محمد على جناح أول رئيس لباكستان وهو قدياني كان يعيش في بريطانيا . فاستخدم جناح ليضيع ثورة المسلمين ويمنعهم من أن يقطفوا ثمرة جهادهم بعد خروج بريطانيا من الهند .

لم تنته القصة عند هذا الحد ، فإن الهند الجديدة وبعد أن خلعت عنها حلة الإسلام ودخلت تحت المنظومة الغربية في وئام تام معها ؛ تركت لتشق طريقها دون عوائق ، فهي في النهاية لن تخرج من تحت طوع السيد الأبيض .
أما باكستان المسلمة فإن الغرب لم يأل جهدا لكي يزرع في طريق مسيرتها الأشواك ، ويحوطها بالأسلاك ، وينصب لها الشراك حتى لا تنهض .

انقسمت باكستان مرة أخرى ، فاستقلت باكستان الشرقية ( بنجلاديش ) عن دولة باكستان . لتعيش بنجلاديش في فقر شديد بسبب قلة الموارد ويرسف خيرة رجالها من أبناء الحركة الإسلامية تحت نير الاستبداد ، وشعبها يئن تحت وطأة القهر . أما باكستان فقد أريد لها أن تظل تحت سطوة العسكر ، فجعلوا من باكستان لهم دولة ، وكونوا لهم فيها إمبراطورية ، وأفسدوا فيها أيما إفساد ، فكثرت الانقلابات وتزعزع الاستقرار ، وتأخرت عجلة التنمية .
على الرغم من حجم المؤامرة وكارثية النتائج ، إلا أنها تدل على قوة هذه الأمة وصلابتها وحيويتها . فهذه الأمة هي الأمة الوحيدة القادرة على التصدي للحضارة الغربية ، وهي التي ينتظر منها إنقاذ البشرية من هيمنة وسطوة واستعباد الرجل الأبيض .
حقا لقد خسر العالم كثيرا بتأخر المسلمين لكن لا بد له أن يعيش يوما تحت ظلال عدلهم وإحسانهم .


التعليقات