في ذكرى النكسة

في ذكرى اليوم الأسود، الذي كان أذانا وتبشيرا بحقبة من أسوأ حقب البلد البائس المنكوب وأكثرها دموية، بعض الملاحظات:

– المغالطة مستمرة في نفس الموعد من كل عام. القوى المدنية/الليبرالية التي جندت نفسها طوعا بغير إجبار لدى العسكر، تخرج لتستعمل مغالطة بائسة لتبريرها لجرائمها، مفادها: الإخوان هم السبب في الوصول لتلك المرحلة (يوم 30 يونيو). المغالطة واضحة لسبب بسيط: الإخوان ليسوا الضحية الوحيدة، لكن المزية هنا لهم أنها الضحية التي يمكن لومها لأنها أخطأت فعلا، وهذا اللوم ليس من باب الموضوعية منهم وإنما من باب رمتني بدائها. والحقيقة أن هناك أطرافا أخرى ضحايا لجريمة 30 يونيو، تمثل حالة من الإحراج لتلك القوى، قوام هؤلاء أناس كثيرون ينتمون إجمالا لما سمي بتيار الإسلام الثوري، ومنهم من ليس كذلك كثيرون ممن ينتمون للعموم. هؤلاء لم يشاركوا الإخوان لا في حكمهم ولا أخطائهم (وجرائمهم أحيانا)، بل ربما أصابهم منها أو بسببها الضرر. ولم يرضوا بسياسات الإخوان واعترضوا عليها سرا وجهارا، ولم يقبلوا دور أن يكونوا مركبا ومطية للعسكر (قبل وأثناء وبعد 30 يونيو). لا هم كالإخوان، ولا هم مثل القوى المجرمة التي تحاول التنصل من جرائمها بعد أعوام. إذا المغالطة واضحة لأنهم يمارسون نفس ما يمارسه نظام السيسي، وهو تلخيص المشهد واختزاله في الإخوان ليسهل لهم ضربه وتفتيته. فإذا كنتم تعتذرون بأن الإخوان السبب في جريمتكم، فهناك من ليسوا من الإخوان لكنكم تختارون عمدا تجاهل وجودهم، لأن وجودهم يحرجكم.

– أحدهم كتب عن” الابتزاز العاطفي واللطميات” الذي يمارسه الإخوان في كل عام، والإخوان هنا اختزال مقصود منهم كما قلنا. فتعال أحدثك عن الابتزاز العاطفي إذا: الابتزاز العاطفي هو أن تستدعي موقف الإخوان -السيء- بعدم المشاركة في محمد محمود والهجوم عليها كل عام بنفس الحماسة، ثم تشجب بعد ذلك الابتزاز العاطفي الذي تقول أنهم يمارسونه في 30 يونيو، مع علمك بأن موقفهم لا يقارن بالوقوف الصريح، بل والاستدعاء والمناشدة، للجيش لإسقاط الإسلاميين والديمقراطية التي تدعو إليها. والابتزاز العاطفي هو أن تصنع اللطميات التي تتحدث عنها حين يكون الحديث عن بضع عشرات أو مئات من تيارك سقطوا ضحايا لنظام العسكر الذي استدعيته، ثم تمارس التجاهل التام لضحايا بعشرات الآلاف -قتلى ومعتقلين- لا تملك القدرة على رؤيتهم. الابتزاز العاطفي هو أن يكون هناك “الحرية لعلاء ودومة” ولا يكون هناك “الحرية للبلتاجي وأبو إسماعيل وبديع”. أنت فقط كطفل يرفض الاعتراف بخطأه القديم، ويزعجه أن يتذكر الناس هذا كل حين، ويريد أن “نعديها وخلاص يا جماعة ومحدش أحسن من حد” بدلا من المناقشة الجادة لخطأه.

– هناك حالة إجماع أن الخطأ بالأساس خطأ الإخوان، لكن مع عدم الاتفاق عند محاولة توصيف ذلك الخطأ. من زاوية معينة، هناك اتجاهان: أحدهما يعتبر أن مرسي أخطأ لأنه لم يتوافق مع القوى المدنية و”الثورية” وانفرد بالقرار والحكم. والاتجاه الثاني يفترض العكس: أن المشكلة أن مرسي كان متوافقا أكثر من اللازم (مع القوى المدنية حين يسعى لرضاها، ومع الجيش حين يسعى لتحييزه أو تحييده)، ولم يكن مالكا لقراره وسلطته بالقدر الكافي. قد يكون الواقع مزيجا من الاثنين، بمعنى أن الإخوان أقبلوا وأعرضوا في ممارساتهم السياسية، فحاولوا التوافق مع البعض، وتجاوزوا البعض، لكن بالشكل الخاطيء دائما. بحيث مدوا أيديهم لمن لا يستحق ولا يريد أن يتقاطع معهم في مسارهم السياسي، ورفضوا إشراك الأطراف التي تستحق وتقبل أن تتقاطع معهم مسارهم السياسي. باختصار هم مارسوا مزيجا عجيبا في حمقه بين الأمرين.

– أخيرا : 30 يونيو لها قيمة عند العسكر تشابه أو تقترب من قيمة 25 يناير لنا. فهي كما أنها للعسكر تاريخ إسقاط تجربة الإسلاميين، فهي أيضا تاريخ كتابة كلمة النهاية لنظام مبارك بشكله القديم ونقل السلطة لنظام العسكر بتركيبته المختلفة وصلاحياته الجديدة الخرافية. لذلك فأهميتها أنها شرعنة دولة العسكر الجديدة في مقابل ما قبل دولة مبارك أو ما قبل 25 يناير. لذلك فأهميتها لهم مزدوجة.


التعليقات