تأملات في سورة الحشر

” سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ “

كثيرا ما نسمع القراء وهو يتغنون بهذه الايات وحولهم المستمعون يستمتعون بالنغمات الجميلة، وتطربهم النبرات العذبة، ويكون افضلهم حالا من يقف ويتأمل معاني هذه الاسماء الحسني مجردة عن اي محتفات ، منفصلة عن اي وقائع. هؤلاء وهؤلاء حرموا المتعة الحقيقية. حرموا برد هذه الآيات علي القلوب. حرموا آثار السكينة والهدوء والطمأنينة وجمال اليقين.

هذه الآيات لما نزلت لم تكن مجردة عن واقع الحياة، لم تكن بعيدة عن أحداث الدنيا، لم تكن منفصلة عن سياق التدافع والمنازعة.

جاءت هذه الآيات في اجواء قتالية بامتياز..لن يفهمها ..ولن يستشعر جمال هذه الاسماء الحسني والصفت العلا..ولن يحصد ثمار الايمان بها ..ولن يعي حقيقة قيمتها الا من عاش هذه الاجواء، وخاض هذه المعامع، وكانت حياته حياة حركة لا قعود، جهاد لا إخلاد إلي الارض..فهذا الدين دين حركي وهذا القرآن لا يفهمه ولا يعطي ذخائره، بل كأنه لم يتنزل إلا لأهل الحركة والجهاد.

اجواء قتالية بامتياز. “هو الذي اخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر” تدافع بين معسكر الحق ومعسكر الباطل. هكذا نزل صدر هذه السورة علي المؤمنين علي المجاهدين كما نزلت خاتمتها لهم ايضا. نزلت توجيها لهم واعلاما وارشادا لهم والهاما

” ما ظننتم ان يخرجوا ” هكذا يصف الله حال المؤمنين في ذاك الزمان..ويصف حالهم في هذا الزمان عندما يقيسون القوي ويرجحون النتائج وفق موازين القوي المادية الظاهرة..فيستبعدون النصرالسريع والفوز الحاسم.

“وظنوا انهم مانعتهم حصونهم من الله” وكذلك اهل الباطل قد رهم سلطانهم ووفير اموالهم وعز جمعهم وعديد جندهم ومنعة حصونهم.

ظنوا من قلة عقلهم وفسا منطقهم وماطمس علي قلوبهم وأسماعم وأبصا هم؛ أنهم قد يعجزونهه سبحانه.

“فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا” كحال كل المعاندين..لا تأتيهم الاحقة الا بغته وهم مطمئنون آمنون لاهون، حتي اذا رأواالعذاب يستقبلهم ” قالوا هذا عارض ممطرنا. ب هو مااستعجلتم به ريح فها عذاب أليم تدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لا يري إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين”

“وقذففي قلوبهم الرعب” الرعب من المؤمنين حتي مع قلتهم ..حتي مع ضعفهم..حتي مع هوانهم علي الناس..حتي وهذه القيود في ايديهم فإن صيحاتهم بالتكبير تزلزل قلوب عدوهم. فإن كمموا أفواههم وصادروا اصواتهم وانفاسهم لم تزل نظرات المؤمنين تشع ثقة تمتلئ يقينا وتستعلي بإيمانها ترتعد منها فرائصهم.. فإن هم ماتوا وارتقوا شهداء ؛ فجثامينهم المسجاة وأجسامهم المتدلية في المشانق تتشامخ لتتضاءل وتنزوي وتخنس امامها الجبابرة. فان توارت اجسادهم الطاهرة تحت التراب؛ فأرواحهم تظل تلاحق الطغاة كاللعنات في صحوهم ونومهم وفي خلوتهم وبين جنودهم. فسنة الله ماضية ثابته نافذه” لأنتم اشد رهبة في قل بهم من الله ذلك بانهم قوم لا يفقهون”

هي حقيقه ملازمة لاهل الشرك لملازمتها الحالة الشرك ما ظلوا متلبسين به فلا تنخع عنهم ابدا حتي ينخلعوا عنه” سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما اشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا”

” يخربون بيوتهم بأيديهم” حيث رد كيدهم في نحرهم وكانت هلكتهم في تدبيرهم ولم يغن عنهم مكرهم بل انقلب عليهم”قد مكر الذين من قبلهم فأتي الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون”

“وأيدي المؤمنين” فهم يد الله يسلطها علي اعدائه وعقابه الذي نزله علي المتكبرين وسيفه الذي يقتص من المعتدين ” ولكن الله يسلط رسله علي من يشاء والله علي كل شيء قدير”

فاعتبروا ياأولي الابصار

وفي هذه الاجواء التي عرضتها السورة تأتي خاتمتها وبهذه الاجواء تفهم وتعاش تلك المعاني وتدرك تلك الحقائق

” هو الله الذي لا إله الا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم” فهو عالم الغيب والشهادة ومقدرهما، وهذا التقدير مبعثه العلم والحكمةوالرحمة فهو الرحمن الرحيم. فما يقدره علي عباده المؤمنين في الحال وما قدرهم عليه في المآل لن يكون إلا من مقتضي الحكمة الكاملة، وفي إطار الرحمة الشاملة، حتي ان كان هذا التقدير فيه شئ من الالم..حتي لو كان ظاهره الشر ..فإن كانظاهره ألم وشر فباطنه فيه الرحمة كل الرحمة.

نزلت الآيات لهذا المؤمن المجاهد حتي اذا تأخر عنه النصر وشق عليه الحال وتهيب من المآل ؛ جاءته الآيات بما تحمله من اسماء حسنى وصفات علا لتطمئنه بصدق وعد الله له بالنصر وأن مايقع عليه هو في دائرة الرحمة التي لن يخرج عنها فتهدأ نفسه وتأنس روحه ويرتاح قلبه .

” هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر”

“الملك”لا يملك احد غيره علي وجه الحقيقة في هذا الكون شيئا مهما تكبر وتجبر.. ومهما وضع علي رأسه من تيجان أو تزين بالشارات والاوسمة..مهما بدل من الملابس المدنية منها والعسكرية، وتزين بالشرقية منها والغربية.
“القدوس” سبحانه تنزه انيذل اولياءه ويخذل جنده ويعلي اعداءه وينصر من عصاه.
“السلام” الذي يدعو الي دار السلام ويجعل الطريق اليه طريق سلامة لا طريق خسران وندامة فالمؤمن آمن في جواره سالم في كنفه مطمئن لأقداره .
“المؤمن” واهب الامن والايمان المصدق لرسله بالمعجزات.
“المهيمن العزيز الجبار المتكبر” يقسم كل جبار عنيد ولا يعجز ه طاغيه صنديد .
“سبحان الله عما يشركون” نزه ان يشرك معه احد في العبادة الطاعة والانقياد فكيف يجعل له شركاء يشرعون لهم من دون الله وكيف يجعلون له اندادا ينتظرون منهم نصرا .

” هو الخالق البارئ المصور” كمال العلم والقدرة والاحسان هو المنعم المتفضل فهل يكون منه الا الخير .
“له الاسماء الحسني” ومن دونه من المعبودات والاولياء ناقص عاجز ضعيف بل لم يكن شيئا ” ام اتخذوا من دونه اولياء فالله هو الولي وهو يحي الموتى وهو علي كل شئ قدير “

” يسبح له ما في السماوات والارض” فصف الايمان ومعسكر الحق كبير عظيم جليل لا ينهزم ولا يعلم جنود ربك الا هو فالمؤمن ليس وحده في المعركة بل معه مدد كبير ومن ورائهم الرب القدير فكيف لاهل الباطل ان يظفروا باهل الحق او يظهروا عليهم؟!
“وهو العزيز” القاهر فوق عباده المذل لاعدائه .
” الحكيم” في تقديره وتدبيره لاوليائه فلا يكتب لهم الا ما يصلحهم ولا يوقع بهم الا ما ينفعهم .
والحمد لله رب العالمين


التعليقات