في ظل الديموقراطية: هل المدنيون محاربون؟

اشتهر في الفقه السياسي الإسلامي تقسيم الكفار إلى محاربين ومعاهدين، وفي الحقيقة أن هذا التقسيم لم يكن يفرق بين الجندي المحارب والملك القائد من جهة، وبين العامل والفلاح من جهة أخرى، إلا في حالات بعينها، فالجميع تجري عليه أحكام الحرب والمعاهدة بين الدولة الإسلامية والدولة الكفرية.

غير أن ظهور التقسيم المعاصر لرعايا الدول الكفرية، بين عسكريين ومدنيين حمل بعض المنتسبين للفقه الإسلامي المعاصر أن يقوم بالدعوة إلى قبول هذا الفرق، واجتهد مجموعة منهم للانتصار لهذا التقسيم، وأغلب هذه الردود أو جُلها يؤول في الحقيقة إلى الهزيمة الفكرية أو القانونية أو السياسية للغرب، ومحاولة متابعته في “القيم” التي يدعو لها.

ومع ذلك فإن إنعام النظر في هذه الفكرة قد تقود – نظريا – إلى قبولها من جهة السياسة الشرعية، فحمايةً للمدنيين المسلمين في الدول التي ترزأ تحت نير الضربات الصليبية أو اليهودية يمكن قبول هذه الفكرة بشرط التطبيق، أو المعاملة بالمثل، وهو ما لا يحدث! فمن الناحية العملية لا يحظى المدنيين المسلمين في أي منطقة في العالم بالحماية تطبيقا لهذا التقسيم، وهو ما يقود إلى أن هذا التقسيم لا يعود من جهة السياسة الشرعية التي ركنها ومقصدها مصلحة الأمة بأي نفع على المدنيين المسلمين.
ومن جهة أخرى فإن النظر في النظام السياسي الذي تنتهجه الدول الغربية بل والشرقية يقوم على فكرة حكم الشعب بالشعب، وهي أبسط التعريفات للنظام الديموقراطي، وعلى هذا فإن الحكومات التي تعلو هذه الدول هي في الحقيقة ناتج للاختيار الشعبي سواء المباشر أو غير المباشر، حسب النظام السياسي، فضلا عن وجود آلية المراقبة والحساب والعزل ونحوها من آليات ديموقراطية، وعلى هذا فإن قرارات قادة هذه الدول بما تشتمله على ظلم وإجحاف وقتل لملايين المسلمين في العالم لا يسلم منها رجل الشارع العادي في هذه الدول.

فإذا كان الفقه السياسي التقليدي لم ير تفرقة بين المدني والعسكري في ظل ما عُرف في العصور الوسطى من قهر الحكام لمحكوميهم، وحكمهم بغير إرادتهم، وحملهم على ما لا يطيقون، فالنظم الملكية كانت هي الأصل في الحكم والرئاسة، فهل يمكن للفقيه المعاصر في ظل مشاركة المدني في اختيار نوابه وحكوماته، بل والمشاركة في صنع القرار، والحق في التظاهر والرقابة والمحاسبة والعزل ونحوها، هل يمكن أن نخلي مسؤوليته عما يفعل رؤوساءه وقادته؟!
والخلاصة: إننا يمكن أن ندعي أن قضية التقسيم مدني/عسكري لها جهتان في نظر الفقيه السياسي الشرعي:

الأول: مصلحة المسلمين، وذلك بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل مع تلك الدول، فإذا سالمو مدنيينا يمكن أن نقبل بهذا التقسيم ونسالم مدنييهم.
الثاني: التناسب العكسي مع التطبيق الديموقراطي، فكلما كانت الدولة أكثر ديموقراطية كلما تلاشى هذا التقسيم، وتعاملنا معها كوحدة واحدة يكون فيها العسكري ذو دور معين، والطبيب ذو دور آخر، والفلاح ذو دور ثالث، وهكذا، لكنهم جميعا أفراد في منظومة استراتيجية واحدة، حربا وسلما، وكلما كانت الدولة أكثر قربا لنظم قهر الحكام لمحكوميهم (ديكتاتورية) كلما كنا أكثر قبولا لتقسيم مدني/عسكري، وأكثر تعاطفا مع المدنيين من جهة أنهم في قهر تجاه قرارات حكامهم.


التعليقات