العدل قيمة مطلقة

كثيرون هم الذين تكلموا عن (العدل) على أنه قيمة من القيم الإسلامية، لكني أريد أن ألفت الانتباه إلى أن قيمة (العدل) ليست خاصة بالإسلام، بل أن النصوص الشرعية أثبتت أن قيمة العدل (مطلقة) “لا تُحَدُّ بِحَدٍّ ولا تُقَيَّدُ بِقَيْدٍ” ف (العدل) واجب على كل أحد في حق كل أحد، لا يختص به زمان، ولا يستأثر به مكان، ولا يكون مطلوبا في حال مرفوضا في حال أخرى، بل وجوبه (مطلق) في كل الأحوال،، واجب مع النفس، واجب مع الوالدين، واجب مع الأولاد، واجب مع الزوجات، واجب مع الأقربين، كما هو واجب مع الكافر، واجب مع من تكرهه وتبغضه، واجب مع الظالمين أنفسهم،، قال تعالى: {يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوٰلِدَيْنِ وَٱلأقْرَبِين … } وقال: { … وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى … } ولست بصدد استقصاء الأدلة، ولكن الآية الأولى مثال على العدل مع من تحبه والثانية مثال على العدل مع من تكرهه؛ و(العدل) في حق الله سبحانه (مطلقٌ) في أحكامه الشرعية {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ … }، وأحكامه القدرية {ولا يظلمُ ربُّكَ أحَدًا} ، “عدلٌ فِيَّ قضاؤك” (وهذا في الدنيا) أما أحكامه الأخروية فيكفي في إظهار عدلها أن كل إنسان هو الذي يشهد على نفسه { … وشهدوا على أنفسهم … } أو تشهد عليه أعضاؤه {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم … }

ولقد فطر اللهُ النفوسَ على حب (العدل) والسكون إليه والبحث عنه، ولقد فطن إلى ذلك عمر بن عبد العزيز عندما استشرى الفساد في أهل خراسان واستأذنه الوالي قائلا: “ولا أرى يصلحهم إلا السيف والقوة” فأجابه (عمر): “كذبت,,, بل يصلحهم الحق و(العدل) فانشر ذلك فيهم” ولقد صدق والله، فإن الفساد لم يجد سبيلا للتفشي وسط هذا المجتمع المسلم إلا بسبب ظلم وتسلط حكامهم، وبالتالي لابد أن يشعروا بالعدل والحق من مصدره الطبيعي { … وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ … } فمصدر العدل أساسا هو الحاكم؛ فبالعدل تستقر المجتمعات، وتسكن الشعوب،، وتُقام الدول، وتؤسس الحضارات،،

قال ابن تيمية: “وأمورُ الناس تستقيمُ في الدنيا مع العدل … ولهذا قيل: إن الله يقيمُ الدولة العادلة وان كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وان كانت مسلمة. ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام .

وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): “ليس ذنب أسرعَ عقوبة في الدنيا من البغي وقطيعة الرحم” ، فالباغي يُصرع في الدنيا وان كان مغفورا له مرحوما في الآخرة. . وذلك أنّ العدل نظام كل شيء . فإذا أقيم أمرُ الدنيا بعدل، قامت، وان لم يكن لصاحبها في الآخرة من خَلاق، ومتى لم تقم بعدل، لم تقم، وان كان لصاحبها من الإيمان ما يُجزي به في الآخرة” انتهى كلامه (رحمه الله)، وهو كلام يدل على خبرته في شأن قيام الدول وسقوطها، وفي السيرة النبوية يأمر النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) أصحابَه بالهجرة إلى الحبشة قائلا عن ملكها النجاشي: “إنه ملكٌ لا يُظلمُ عنده أحد” فهل يعلم المجادلون والمنافحون عن الحكام والطواغيت لماذا قامت الثورات؟! وما هو العلاج؟! وكيف تهدأ النفوس؟! وهل يفهم هؤلاء (الدعاة) لمن ينبغي أن يوجهوا نصحَهم ووعظَهم؟؟!! اللهم اهدنا سواء السبيل يا رب العالمين


التعليقات