الخطاب الشرعى و الانحرافات السياسية

يرجى ملاحظة أن هذه المقالة من المقالات القديمة التي لا يتطابق تاريخ نشرها على الموقع مع تاريخ نشرها الفعلي

جاءت الشريعة لتعالج مشكلات الواقع و نوازل الأمة , و وظيفة الفقيه أن يدير مشكلات ونوازل الواقع بالشرع , ويضع لهذه الطوارق الحلول الشرعية , فلا هو الذى يحدث فصاما بين الواقع و الشرع من دون أن يضع حلولا لمعضلات الواقع , ولا هو الذى يلوى نصوص الوحى لشرعنة واقع و لو كان باطلا
وعلى مدار الزمان كان هناك استخدام للخطاب الشرعى لتسويغ الانحرفات السياسية و لم يعدم الساسة مخارج شرعية يلبسون بها انحرافتهم و لم يخلوا الزمان من فقهاء يفصلون الفتاوى لحساب ملوكهم
و إليكم بعض النماذج لهذا النوع من الخطاب الشرعى :

– لما قتل الحجاج ابن الزبير و بعد أن اعتدى الحجاج على الحرم و رماه بالمنجانيق خطب فى الناس يبرر فعلته تلك و قال إن بن الزبير كان من نضرة الناس حتى ألحد فى الحرم , فاستحق ما حصل له بعد أن بدل ما كان عليه و ألحد .

– اختيار الإمام لولى العهد من بعده من الأشياء العجيبة التى وردت فى أحد كتب الاستخلاف لتبرر العدول عن الطريقة الشرعية ” و هى اختيار أهل الحل و العقد و ترشيح من يصلح لهذا الدور للأمة حتى تقره وتبايعه ” إلى استخلاف الإمام لولى العهد من بعده بدون رأى الناس , بأن مافعله ذلك إلا لكى يرفع عن أهل الحل والعقد الحرج , و يخفف عنهم تلك التبعة الثقيلة المترتبة على اختيار الإمام , و إشفاقا منه عليهم أن يحتاروا فى أمرهم , و أنه أى الإمام ليس أحرص منه على منفعة الناس و أعلم بما يصلح الأمة , وأقدر على اختيار من يناسب هذا المقام .

– كانت الفتاوى الفاسدة التى أصدرها ملوك الطوائف فى الأندلس لترك الجهاد مع المرابطين ومنعهم من دخول الأندلس لقتال الصلبيين ودفع صائلهم , كانت بحجة أن الجهاد لا ينعقد إلا وراء إمام من قريش , وأن إمامة المرابطين ليست شرعية لأنهم ليسوا قرشيين و لم يكن لهم اعتراف ولا ولاية رسمية من الخلافة العباسية فى بغداد .

– لما أراد ابن تومرت الثورة على المرابطين و احتاج أن يسقط عنهم شرعية ولايتهم اتهمهم أنهم أهل تجسيم , قد انحرفوا بالدين و أفسدوا عقائد الناس و أخلاقهم و اشاعوا الفساد فهم كفار منافقون جهادهم أولى من جهاد النصارى و المجوس .

– فى تاريخ الدولة السعدية تحالف المتوكل ” الملك المخلوع بسبب فساده ” مع البرتغاليين ضد عمه عبد الملك المستعصم بالله و أحمد المنظور , وقد برر فعله هذا برسالة لأهل المغرب فيها أنه ما استصرخ بالنصارى حتى عدم النصرة من المسلمين و أنه يجوز للإنسان أن يستعين على من غصبه حقه بكل ما أمكنه و هددهم قائلا ” فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ” و قد سمى النصارى بأهل العدوة واستنكف ان يسميهم نصاري الباسا للباطل
و مازال الزمان على مر العصور و كر الدهور يحمل لنا و إلى يومنا هذا صور عجيبة من إلباس الباطل لباس الحق , وتسويغ الانحراف بخطاب الشرع فكم من فتاوى سخرت لترصخ أقدام الطاغوت و تشرعن وجوده بدعاوى هزلية و فتاوى كالقياس على حكم المتغلب أو لتأصل القتال تحت راية أهل الصليب , ومحاربة الدعاة و المجاهدين بزعم أنهم خوارج من الفئة الضالة المحاربة لله و رسوله و المفسدة فى الأرض .
و مع كل هذه يبقى الحق ظاهرا أبلج , و الباطل زاهق لجلج .


التعليقات