الحركة الإسلامية فى فلسطين… ثبات المبادئ ومرونة الحركة

تعتبر الحركة الإسلامية فى فلسطين من التجارب الإسلامية الراقية التى تحسن دراستها والاستفادة منها، ومن أوجه النضوج فى هذه التجربة أنها جمعت بين ثبات المبادئ و مرونة الحركة، ووضوح العقيدة ونسبية الممارسة.

وهى معادلة صعبة يعز تحقيق التوتزن بين طرفيها، فالناس معها بين من يحافظ على ثبات المبدأ ووضوح العقيدة مع جمود معوق فى الحركة، وبين مرونة فى الحركة مع ميوعة وتشوش المبدأ.

فمع أن الحركة الإسلامية سواء فى قطاع غزة أو الضفة أو أرض 48 يجمعها وحدة العقيدة والمبدأ و الفكر (إسلامية القضية – وحدة الأراضى الفلسطينية من البحر إلى البحر – منهج الجهاد والمقاومة) إلا أننا نلحظ اختلافا وتنوعا فى شكل الممارسة وطبيعة الحركة وخيارات العمل لدى كل منها.

قطاع غزة: التوازن بين فرض السيطرة الكاملة .. وتحمل تكاليف الإعاشة.

تتمتع الحركة الإسلامية فى قطاع غزة بحاضنة شعبية قوية، ونفوذ فى الواقع الاجتماعى، وذراع عسكرى مسيطر، مع انفصال جغرافى وسياسى عن دائرة التدخل و النفوذ الصهيونى.

كل هذا شكل طبيعة الخيارات السياسية وصورة الممارسة الواقعية:

– كان دخول حماس فى الانتخابات الفلسطينية من أجل الحصول على الثلث المعطل لحماية المقاومة، خاصة طى أجواء ما بعد تفهمات أوسلو.

– بعد النجاح الباهر فى الانتخابات و على الرغم من إمكانية تشكيل الحكومة منفردة، كان خيار هو الدخول فى شراكة “حكومة وحدة وطنية” مع فتح، حتى لا تتكلف حماس التبعة لوحدها، و لتحاشى استعداد بعض الانظمة للحكومة الجديدة، ولتجنب فرض الحصار أو العزلة الدولية فى مكان لا يمتلك من مقومات الحياة إلا ما يأتىه من الخارج.

– الحسم العسكرى فى غزة كان ردا على محاولة إفشال السلطة وقطع الطريق أمام الانقلاب عليها.

– تشكيل حكومة إتلافية فى مرحلة ما بعد الحسم كان لتخفيف التابعات الاقتصادية، ومحاولة لكسر حالة الحصار، وذلك بعد تكوين حكومة ظل لحماس مسيطرة على مفاصل القطاع و متغلغلة فى مؤسساته (دولة عميقة) تجعل من الحكومة الاتلافية مجرد صورة.

الخلاصة: قد تكون هذه الصورة النهائية هى الأقرب لما ستكون عليه واقع الحركة الإسلامية بمصر فى مرحلة ما بعد سقوط الانقلاب.

الضفة: بناء الحركة تحت نير الاحتلال.

على الرغم من أن الحركة الإسلامية فى الضفة تمتلك قوة و حضور شعبى جلى , إلا أن قربها من أراضى 48، واتساع رقعتها مقارنة بالقطاع و وجود المتعصبات “المستوطنات” التى تمزق اتصال الأراضى، ودخولها تحت دائرة النفوذ الصهيونى، كل هذا يصيغ خياراتها و ممارساتها بطبيعة مختلفة عن القطاع رغم الوحدة العقدية والفكرية معه، فالحركة الإسلامية فى الضفة تعيش مرحلة أشبه للمرحلة التى عاشتها الحركة الإسلامية فى ما قبل الثورات العربية.

حيث يكون العمل التربوى و السياسى هو الصبغة الغالبة للممارسة، وذلك للمحافظة على الكيان وإكمال مرحلة تكونه وبنائه، فى حين أن استعجال المواجهة قد يوئد الحركة مبكرا، و يعرضها للاستئصال قبل اتمام رسوخها وتملكها لوسائل الردع و الحماية.

الخلاصة: عمل تربوى سياسى أقرب لواقع الحركة الإسلامية فى فترة ما قبل الثورات.

الداخل الفلسطينى: معركة الرباط و التمسك بالأرض و الحفاظ على هويتها.

يتسم الواقع الفلسطينى فى أرض 48 بقلة الأعداد، وسيطرة واقع الاحتلال على الأراضى بشكل كامل مع محاولاته التى لا تتوقف لتغيير معالم الأرض وهوية المكان وهو ما يفرض على الحركة الإسلامية خيارات خاصة، فتصبح طبيعة المعركة تدور حول التمسك بالوجود، ومقاومة محاولة تذويب الفلسطينين فى المجتمع اليهودى وتغيير ثقافته وهويته، كذلك الحفاظ على هوية الأرض و الأخقية التارخية فيها.

لذا يحتل العمل التربوى والدعوى الصورة الأكبر فى الحركة. فى حالة أشبه ما تكون لواقع الجاليات الإسلامية فى أوربا.

وهذا الواقع وذلك الدور قد يضطر فيه المسلم إلى حمل الجواز “الإسرائيلى” والحياة كمواطن “إسرائيلى” ولو على الورق وإخفاء عدم الاعتراف بإسرائيل مقابل البقاء فى الأرض الفلسطينية لإثبات الأحقية فيها وعدم تهويدها.

الخلاصة: عمل دعوى تربوى أشبه لواقع الجاليات الإسلامية فى أوربا.

فالنهاية: فإن هذه الخيارات المختلفة قابلة للتعديل على حسب متغيرات الواقع، لكن ما يهمنا هنا أنها تعكس قدرة على التكيف فى الظروف المتباينة ومرونة فى التعامل مع الواقع، مع تناغم تام فى الأدوار رغم اختلاف أنماط الحركة وصورها.


التعليقات