واعتصموا بحبل الله

من أعظم وسائل استجلاب نصرة الله عزوجل التي أرشدنا لها في كتابه الكريم وحدة الصف وعدم التنازع، قال تعالى (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)، فبين سبحانه أن التنازع سبب رئيس لوقوع الهوان والوهن وضعف الشوكة، وليس المنهي عنه هو وقوع الاختلاف فإنه سنة كونية، لاختلاف طبائع البشر النفسية والسلوكية، بل قد وقع الاختلاف بين الصحابة أنفسهم في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم، فما أنكر عليهم، ولكن المنهي عنه هو التنازع والتعصب والتحزب الذي يورث العداوة والشحناء والتشرذم والتشتت، أما الاختلاف المنضبط القائم على الرغبة الحقيقية في معرفة مراد الشارع مع احترام رأي الآخر ومناقشته بموضوعية واتزان وعدل فلا بأس به، بل قد يكون في بعضه خير كما قال السلف “اختلافهم رحمة واسعة” فإن من لم يجد ضالته في أحد الأقوال قد يجدها في الآخر، وهذا الذي نشير إليه إنما يقع في الخلاف المحمود المعتبر وليس في كل أنواع الخلاف بالطبع، فإن الخلاف يقع على ضربين :

– ضرب محمود وهو الذي يقع في الفروع دون الأصول، ويكون مستندا على دليل شرعي صحيح ورؤية فقهية معتبرة ممن هو أهل لهذه الرؤية من أهل الفن والاجتهاد،

– أما الخلاف الذي يقع في الأصول مخالفا الإجماع أو يكون صادرا ممن ليس أهلا للاجتهاد والنظر أو صادرا عمن هو أهله ولكن غير قائم على دليل صحيح أو وجهة نظر معتبرة، فهذا كله باطل مردود وهو من الخلاف المذموم الذي حذر منه الشارع والعلماء منذ عهد الصحابة وحتى عصرنا الحالي .

إن معرفة أنواع الخلاف وضوابطه وآدابه يجب أن تكون من الأولويات التي تركز عليها الدعوة وتنشرها بين الناس حتى لا يقع ما نكرهه من التنازع والفرقة المنهي عنها وحتى لا نكون من الذين قال الله عز وجل فيهم (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ).


التعليقات