الخطاب الجهادي.. ما له و ما عليه

الخطاب الجهادي مميز في منطلقاته الكلية و رؤيته العامة لطبيعة الصراع.. لذا يقدم تصور صحيح لطبيعة المعركة و يرسم بوضوح خارطة الأصدقاء و الأعداء.

لكنه يغلب عليه السطحية عند التعامل مع تفاصيل المشهد .. و يفتقد المرونة في مواضع تحتاج للمناورة و تغيير في التكتيك.. فإما ينتظر ظرف خاص ليعمل فيه أو يصاب بالجمود عن الحركة الفاعلة.

فالتيار الجهادي يدرك أن معركته معركة عالمية مع النظام الدولي.. و أن حكام الأقطار المسلمة ما هم إلا دمى لهذا النظام و نوابه في المنطقة.. في حين تعامل البعض مع الحكام و كأنهم من أبناء جلدتنا فما بين ناصح و مؤيد.. و على الجانب الآخر انخدع أناس بشعارات الغرب الرنانة و طمعوا في إمكانية انصافهم لهم و لحقوقهم المشروعة.
كما أننا لا نجد أبدا أحدا من أبناء التيار الجهادي انخدع في دور الجيوش العربية.. فهم يعتبونهم من البداية جيوش احتلال و طائفة ممتنعة.. في حين كان بعض أبناء التيار الإسلامي يصدق مقولة الجيش و الشعب يد واحدة.

لكن من جهة أخرى فإن التيار الجهادي يجعل العموميات و المنطلقات الكلية خطاب جامد و كتلة صلبة متماسكة لا تشتمل على أجزاء يمكن تحريكها .. فلا يحسن المناورات السياسية بل لا يحسن فهمها.. ( قناة الجزيرة التابعة لقطر عميلة أمريكا .. فهي عدوة للجهاد و لا تنفذ إلا سياسة أمريكا) .. و في الحقيقة أن الدنيا لا تسير بهذه الطريقة ولا بتلك السطحية و هي خليط متشابك من العلاقات و المصالح التي تنسجها حركة الواقع و موازين القوى و معادلة التدافع..
ثم هو لا يعرف التكيف مع الأوضاع المختلفة و المناورة مع المتغيرات و تغيير و تنويع أدوات الدفع المناسبة مع اختلاف البيئة أو الظرف.. فيست ثم إلا طريقة واحدة للمدافعة و هي “العسكرة” .. فإن لم تتح الظرف الآني أجواء مناسبة لهذه الممارسة.. تعطل واجب المدافعة مع تبني خيارات غير شرعية بالاكتفاء بالدعوة أو الانعزال و غيرها من الحيل النفسية و الشرعية.
و من أسباب هذا القصور في الطرح هو وضع أطر و حدود غير شرعية.. و اعتبارها بمنزلة الضوابط الشرعية التي في المحصلة تؤدي لتعطيل الواجب الشرعي لتوهم أنه خارج عن حدود الشرع.. كحال من ترك الصلاة لانعدام الماء مع مشروعية التيمم.
فالخروج عن إطار الشرع .. أو تأطير ما ليس بشرعي و وضع حدود لم يضعها الشرع كلاهما من جوانب العوار و الخلل في المنهج الذي يترتب عليه المفسدة الشرعية.


التعليقات