هل كانت ولاية د.مرسي شرعية ؟

خاض د.محمد مرسي انتخابات الرئاسة، فاز وبقي فيها عاما مليئا بالأحداث، ثم وقع الانقلاب العسكري ضده واشتعلت فعاليات رفض الانقلاب .. وخلال كل هذه المحطات وإلى الآن لازال السؤال مطروحا عند البعض حول ( مدى شرعية ولاية د.مرسي؟ ) .

ربما بقي السؤال لأن أكثر رافضي الانقلاب العسكري يرون في عودته للرئاسة عنوانا وحيدا لإسقاط الانقلاب !
وربما يتخذ البعض السؤال ذريعة للانسحاب من معركة باهظة التكاليف، مع وجود اعتراضات كثيرة على الإخوان وممارساتهم في الرئاسة !
وربما تجاوز البعض السؤال عمليا، وانخرط في مقاومة باطل الانقلاب فعليا، لكن السؤال بقي على المستوى العلمي بلا جواب واضح – على الأقل بالنسبة لهم – !

مقومات الشرعية :

الولاية في الإسلام تستمد شرعيتها من مقومين كبيرين، وإن لم يكونا على رتبة واحدة، ثم تأتي باقي الشروط راعية وتابعة لهذين المقومين .
ونحن هنا نتكلم عن ولاية مستقلة لها نوع من العموم، وهي البديل الواقعي الذي تعامل معه العلماء والأمة للإمامة العظمى لما غابت حقيقتها عبر التاريخ، فكيف بنا وقد غابت الحقيقة والاسم جميعا في واقعنا المعاصر؟!

المقوم الأول :

هو الهدف المقصود من الولاية، فلأجله شرعت، ولأهميته كانت أهميتها. وهو “حراسة الدين وسياسة الدنيا به” أو ما اصطلح عليه في واقعنا المعاصر بقضية “سيادة الشريعة” .

وهذا المقوم هو معقد الشرعية الأعظم، فبانتفائه تنتفي الشرعية، وبثبوت أصله يثبت أصلها. فهو المقوم الذي – مع وجوده – قد يتسامح في غيره لاعتبارات، وبغيابه لا يغني غيره عنه مهما كانت الاعتبارات .

المقوم الثاني :

هو الوسيلة الشرعية الوحيدة للوصول إلى الولاية، باعتبار أن الأحكام في الأصل خوطب بها جميع المسلمين، فهم ينيبون عنهم من يعطونه القوة على القيام بواجبات الولاية. وهو “اختيار المسلمين وبيعتهم” وبهذا الاختيارالعام المعبر عن الرضا من أكثر الأمة تنال شرعية الولاية، إذ هو حقها الذي يعبر عنه في واقعنا المعاصر بقضية “سلطان الأمة” .

وكل تجاوز لهذا المقوم هو عدوان على الأمة، وإن مررته الأمة اضطرارا في مراحل تاريخية كخيار واقعي استثنائي، لا يعبر عن استيفاء الشرعية المطلوب .

محل النزاع في المقوم الأول :

لم ينازع أحد في أن د.مرسي تولى الحكم في ظل نظام علماني قائم على تنحية الشريعة، ومن هذه الحيثية طعن قوم في شرعية ولايته، ظنا منهم أنه يستمدها من شرعية النظام العلماني .

لكن الحقيقة أنهم أغفلوا الراية التي يعلنها، سواء بانتمائه إلى حركة إسلامية قامت من أجل تحكيم الشريعة واستعادة الخلافة، أو بتصريحاته هو ومن حوله في مؤتمراته الانتخابية وفي غيرها، أو بتمهيده السبل لذلك بفتح الأبواب للعمل الدعوي وإتاحة المجال للعمل السياسي ونحوهما . تلكم الحقيقة التي أغفلها بعض الإسلاميين، بينما رآها خصومهم بكل وضوح .

إن التسوية بين من تولى الحكم في نظام علماني فحرسه وضادّ الشريعة لأجله، وبين من تولاه في نفس النظام معلنا – إعلانا تدعمه القرائن – أنه ساعٍ لتحكيم الشريعة من خلاله، لكنه يراعي ما يقدر عليه من ذلك، لهي تسوية ظالمة، وافقته في رأيه أو خالفته .
فمن نتكلم عنه تصدى للولاية طلبا لتحكيم الشريعة، ودلت القرائن على صدقه في ذلك، وشهد له بذلك أعداؤه قبل إخوانه. فمهما خالفه البعض في تقدير الممكن من عدمه، يبقى الأصل الذي أظهره، وبدأ في تمهيد سبله، مثبتا لأصل شرعيته من هذا المنطلق .

محل النزاع في المقوم الثاني :

كما فاتهم أن أكثر الأمة ممن هم على ولاء لقضية الشريعة قد اختاروه، مقابل الفريق شفيق وريث نظام مبارك العلماني

كون الانتخابات في ظل النظام العلماني ليست على شروط البيعة الشرعية، فرتب البعض على هذا أنه لم يصل إلى الحكم بطريق يعطيه شرعية من هذه الحيثية .
وفات هؤلاء أن الانتخابات مهما استوفت من شروط ليست بيعة، ولكنها ترشيح للبيعة، إذ فيها يسوغ أن يرشح المسلمون أكثر من واحد، بينما لا يسوغ لهم أن يبايعوا أكثر من واحد كما هو معلوم .

كما فاتهم أن أكثر الأمة ممن هم على ولاء لقضية الشريعة قد اختاروه، مقابل الفريق شفيق وريث نظام مبارك العلماني. وهذا الاختيار له أثره الشرعي .
وفاتهم أخيرا أن الوصول إلى الحكم بطريق غير مشروع، هذا الأمر وحده لا ينهض لإسقاط أصل الشرعية – وإن أثر على استيفائها – خاصة مع عدم القدرة على ما هو أفضل. ولهذا قبلت الأمة عبر تاريخ طويل بحكم المتغلبين من ملوك المسلمين، كخيار اضطراري تحققت به أكثر المصالح الشرعية، مع عدم شرعية التغلب كوسيلة للوصول إلى الحكم . فكيف إذا اجتمع كل ما ذكرنا في حال د.مرسي ؟!..

كلمة أخيرة :

لقد حاز د.مرسي الشرعية بمعنى الانحياز إلى الشريعة، والسعي لتطبيقها .
كما حاز الشرعية بمعنى اختيار أكثر المسلمين – خاصة أولياء الشريعة – له .
وحاز شرعية قانونية من النظام العلماني، نلزمهم فيها بما التزموه، مع دعوتنا لهم إلى شريعة الإسلام .


التعليقات