تفاعلات الحراك السياسي في مصر

يرجى ملاحظة أن هذه المقالة من المقالات القديمة التي لا يتطابق تاريخ نشرها على الموقع مع تاريخ نشرها الفعلي

مخطئ من يظن أن الثورة في أية امة من الأمم أو شعب من الشعوب هي وليدة اللحظة أو الساعة فالحراك الاجتماعي يستغرق عشرات السنين وهي مدة “مخاض الثورات” إن جاز التعبير، وفي بلد كمصر وثورة كثورتها؛ كانت البلاد تموج بتفاعلات متبادلة وبطيئة لكنها فعالة، ولا أبالغ إن قلت أنها كانت تحت الملاحظة الدقيقة من بعض المتابعين والمهتمين.

بينما كانت تلكم الحركة تطحن تحت أوهاق الباطل كانت غيرها من القوى السياسية والوطنية ترتاح الهوينى وتأخذ القيلولة في ظل نظام “العصابة المجرمة”

فالحركة الإسلامية على سبيل المثال قد خاضت معارك ضارية على كل الجبهات ضد الأنظمة السابقة وعلى رأسها نظام مبارك؛ حتى وصل الأمر للكفاح المسلح ـ بغض النظر عن دعمنا للتجربة من عدمه ـ إلا أنها أعلى صور الثورة في حقيقتها التي أرادت أن تقيم الحق والحرية والعدل من وجهة نظر من خاضوها، إلا أن تفاعلات هذا الحراك لم تكن عسكرية فحسب إذ لم يمارسه إلا فئام من الأمة ولكنها كانت مواجهة شاملة تحمل مشروعاً حضارياً متكاملاً؛ ثم انكسرت هذه التجربة واستبدلت بأخرى مستأنسة إن جاز التعبير أو مقهورة إن هي أبت الانضواء تحت لواء الظالم، وبينما كانت تلكم الحركة تطحن تحت أوهاق الباطل كانت غيرها من القوى السياسية والوطنية ترتاح الهوينى وتأخذ القيلولة في ظل نظام “العصابة المجرمة” قبل أن تنهض متأخراً في آخر بضعة سنوات لتهيج الشارع تهيجاً مشروعاً ومحدوداً في حركات مثل كفاية ثم 6 إبريل ومؤخرأ وقبل الثورة مباشرة؛ حركة التغيير.

وكان من تداعيات المواجهة الشاملة أن أثرت الحركة الإسلامية التقليدية وتأثرت بغيرها تأثيراً بدى عميقاً فقد رأينا القوى الصوفية مثلاً وهي من الخصوم القدامى لها وقد بدأت مرحلة جديدة تُنَظِرُ فيها بالدليل لممارساتها التي طالما كانت همهمة في الطريقة وفلسفة غير عميقة منذ انتهاء عصر الفلاسفة المسلمين مما أضعف موقفها في مواجهة الحركة الإسلامية السلفية في منطلقاتها ومرجعيتها حتى جماعة الإخوان المسلمين، وقد دشن هذه المرحلة ظهور د.علي جمعة ومدرسته ثم تنصيبه مفتياً للديار مما أتاح له منبراً واسعاً للتنظير لهذا التيار وتلك الممارسات وللمرة الأولى منذ عقود من المواجهة أحادية الجانب.

ورغم أن البعض قد رأى خطورة في هذا المنحى واعتبره ترسيخاً للبدعة كما يرى؛ إلا أنه كان يخدم الحالة الإسلامية عامة من وجهة نظري وعلى المدى البعيد حيث جر كلا الطرفين إلى مساحة أكثر اعتدالاً في النظر للأمور “فصوفية الدليل” الجديدة حاولت أن تلزم الصواب إذ هي تؤسس لمنهجها ولتسلم من المطاعن وأما “سلفية الدليل” فقد اعادت النظر في بعض الأمور والممارسات؛ إذن فقد صار “الدليل” الشرعي هو العامل المشترك الأكبر بينهما من حيث لم يقصد أحد.

كما رأينا القوى العالمانية أيضاً تغير من استراتيجياتها حتى بلغ الأمر إلى تغيير الاسم نفسه؛ فمازالت العالمانية تعاني محنتها في بلادنا كمسألة سيئة السمعة وخاصة بعد أن تمت تعريتها من غطائها العلمي “العلمانية” إلى فضاء العالم “العالمانية” حيث نشأة المصطلح وحقيقته يوم تمردت أوربا المسيحية على حكم رجال الدين والكهنوت فأرادت ان تقابل الدولة “الثيوقراطية” أو الدينية بالدولة “الزمنية” أو العالمية” فأرادت تلك القوى أن تلتف حول هذه المشكلة من جذورها بتسمية نفسها “بالقوى المدنية” بما يتلازم مع المدنية في الأذهان من صفة الحضارة .

بل وصارت تلك القوى الليبرالية أو المدنية بزعمها تنزع صفة “الإسلامية” عن قوى ما أسمته هي “بالإسلام السياسي” بدعوى أننا جميعاً مسلمون وفي محاولة أخيرة لإهدار شرعية تلك القوى وإنهاء احتكارها للمفهوم!!

وفي ظني أيضاً أن هذه الحالة هي لصالح الدين ولصالح الوطن فأنا أرى أن في هذه المقاربة مقاربة من الدين نفسه فطالما مازالت العالمانية تتخفى وتتدسس بنفسها وتتقرب لعموم الأمة بلزوم مرجعيتها الأصيلة؛ وهي الإسلام ولو من باب الدعوى فمازلنا بخير.

بل رأينا حزباً جديداً كالدستور مثلاً والذي أسسه الدكتور محمد البرادعي يحتوي إسلاميين ومنتقبات ويدعو لمنهجه في المساجد ويوزع المعونات الغذائية والاجتماعية على الفقراء؛ وباختصار هو ينهج نفس تكتيكات الإخوان سياسياً ودعوياً حذو القذة بالقذة مما يرشحه بالفعل للوجود والتمدد في الساحة المصرية، كما رأينا حزباً “مدنياً” كالجبهة الديموقراطية يتبنى قضية الدفاع عن جناب النبي الأعظم في أزمة الفيلم المسيء أخيراً!!

الخلاصة :

نحن نتقارب إذ نتباعد وهناك شيء جديد وثورة فكرية حقيقية تدور رحاها في العقول والقلوب ولا يلمحها من ينظرون بأعينهم ـ فقط ـ إلى الأنوار المبهرة.


التعليقات