أضواء حول رمضان

يرجى ملاحظة أن هذه المقالة من المقالات القديمة التي لا يتطابق تاريخ نشرها على الموقع مع تاريخ نشرها الفعلي

أخي الحبيب..

من بين الأيام الملونة بالدماء ..

من بين الأيام المضيعة هباء ..

تنبثق أيام ترتج بالدعاء ..

أملا في أيام الوفاء والفداء ..

فتنساب اليوم هذه الأضواء..

الضوء الأول

الاستعداد … لرمضان

  ألم تر أخي أن الاستعداد سُنة كونية ؟! فقد أعدَّك الله للحياة في هذه الدنيا بأشهر متتابعة قضيتها في الرحم ، وأعدَّك لحمل الأمانة الشرعية بسنوات عديدات قضيتها قبل البلوغ . وأعدّ موسى عليه السلام للنبوة والرسالة فقال ـ تعالى ـ : (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) ] سورة طه : 39 [ .

  ألم تر أخي أن الاستعداد سُنة شرعية ؟! ولهذا خاطب الشرع أولياء الأطفال بأن يأمروهم بالصلاة لسبع سنوات ، وأن يضربوهم عليها لعشر – مع أنهم لا يجري عليهم قلم السيئات في تلك الأعمار – ليبلغ الأطفال وقد اعتادوا الصلاة . وخاطب الله الأمة القائمة بالحق في مواجهة عداوة الكفار بقوله ـ تعالى ـ : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ )]  الأنفال :60[  .

  بل جعل الله– عز وجل – الاستعداد دليل الصدق ، فقال – تعالى – : (وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً) ] التوبة : 46 [ .

  وجعل التثبيط لمن كره الله ـ تعالى ـ لهم مشاركة المؤمنين في الأمر، فقال ـ عزوجل ـ (ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم) ]التوبة : 46[  .

  فاحذر التسويف في الاستعداد ؛ فهو أول التفريط ، واعتبر بقصة كعب بن مالك ـ رضي الله عنه ـ لما قال : “فتجهز رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمون معه ، وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم ، فأرجع ولم أقض شيئاً ، وأقول في نفسي : أنا قادر على ذلك إذا أردت . فلم يزل يتمادى بي ، حتى استمر بالناس الجد ، وأصبح رسول الله ـ  صلى الله عليه وسلم ـ غادياً والمسلمون معه ، ولم أقض من جهازي شيئاً ، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً ، فلم يزل بي ، حتى أسرعوا و تفارط الغزو” .

  واللحاق بالركب السائر إلى ربه ـ تعالى ـ ، ولو في آخره ، خير من الندم ، قال كعب بن مالك ـ رضي الله عنه ـ : “فهممت أن أرتحل فأدركهم ، فيا ليتني فعلت ، ثم لم يقّدر ذلك لي” …

  فإن الصادق – غير المعذور – إذا سبقه ركب الإيمان وبقي مع القاعدين ، يتلفت حول نفسه، ويلفُّه غمام حزنه ، إذ ليس هو في مكانه ، ولا هو بين أصحابه ، قال كعب ـ رضي الله عنه ـ : “فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحزنني أني لا أرى لي أسوة ، إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق ، أو رجلا ممن عذر الله  – تعالى – من الضعفاء”  [متفق عليه] .

  فمن قبل أيام رمضان ، فلتستعد أخي :

  1. بالحرص على إقامة الصلوات ، فرضاً ونفلاً ..
  2. وبالاجتهاد في صيام أيام شعبان ..
  3. وبالزيادة في ورد تلاوة القرآن مع الخشوع والتدبر ..
  4. وبالملازمة لذكر الله مع حضور القلب مهما أمكن ..
  5. وبالتوبة الصادقة الماحية للسيئات المانعة من الخير ..
  6. في الجملة المتاحة من أعمال الإيمان ، يظلها الحياء من الرحمن ، وبضمنها الإحسان إلى الإنسان .. 

ويكفيك شاهداً على ماذكرت لك ، قول عائشة – رضي الله عنها – : ” لم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصوم من شهر أكثر من شعبان ، فإنه كان يصوم شعبان كله ” . وفي رواية : ” كان يصوم شعبان إلا قليلا”  [متفق عليه]

الضوء الثاني

الفرض … أولاً

  ألا تعجب أخي ممن يحرص على الخشوع والبكاء في التراويح ، مع أنه لا يحاسب نفسه على فوات ذلك في الصلوات المكتوبات ؟!

 ألا تعجب أخي ممن يفاخر بكثرة الختمات لتلاوة القرآن ، مع أنه يجاهر بعدد من المحرمات – كالنظر إلى الحرام ، أو التكلم بالحرام – ؟!

  إن الذي يطلب حب الله – عز وجل – ، يتلمس ويتحرى الأحب إلى محبوبه ، وقد قال    ـ تعالى ـ : ” وما تقرب إلي عبدي ، بشيء أحب إلي مما افترضتُه عليه ”  فهذا أول الطريق …

  ثم لا يقف عند هذا الحد ، بل يتبع الفرائض بالنوافل ، لقوله – تعالى – : ” ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ” فهذه الخطوات التاليات …

  والقلب معلق بالوعد الكريم من الرب الرحيم : ” فإذا أحببته ، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ”  [البخاري] .. فيا لسعادة المحبين ، ويا لحسرة المحرومين …

فالفرض إنما فرضه عليك من يعلم حاجتك له ، وأنه لاغني لك عنه ، وأن الخلل والفساد يحلان عليك بفواته

  وتذكر أخي أن الشريعة إنما جاءت لمصلحة العباد في العاجل والآجل ، دلَّ على ذلك استقراؤها ، وشهد عليه كثرة من علمائها ، فالفرض إنما فرضه عليك من يعلم حاجتك له ، وأنه لاغني لك عنه ، وأن الخلل والفساد يحلان عليك بفواته – ولو لمرة واحدة – (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [سورة الملك : 14] . بلى..

  فقبل، وأثناء، وبعد رمضان :

1) عظَّم فروض الله – تعالى – وأحبها ، وقدمها على ماسواها ..

2) واحرص على إقامتها باطناً وظاهراً ، أكثر مما عداها ..

3) ولا تزن بغير ميزان الشرع ، فيخيب ميزانك ..

4) وتذكر أن طريق الحب والتوفيق يقوم على : الفرض … أولاً .

الضوء الثالث

العبادة.. تَّحُفَّها التقوى

  ألم تعلم أن عملاً لم يصدر عن تقوى الله ـ تعالى ـ ليس بعبادة له – عز وجل – ؟! ولذلك لا يقبله ممن عمله ، كان ذلك في عهد ابن آدم ـ عليه السلام ـ والذي قال فيه : ( وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ ) [المائدة : 27] ، وإلى آخر الزمان ، بالقاعدة الحاصرة : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) [المائدة : 27] ، وإنما يتقبل الله – عز وجل – العبادة ، فالعبادة منشؤها  التقوى …

  ألم تعلم أن ثمرة العبادة.. هي التقوى ؟!.. فما لم يثمر ذلك فليس بعبادة .

  ذكر الله ذلك في آية الأمر بالعبادة بإجمال : (  أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة : 21] وذكره في غيرها على سبيل التفصيل والمثال : ( لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ [الحج : 37]، (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )[البقرة : 183] وإنما يتقبل الله العبادة التي أمر بها ، وهي ثمرتها التقوى …

  فالتقوى ميزان الأعمال ، قال ـ تعالى ـ : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة : 7 ـ 8] وقال ـ عز وجل ـ : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِم النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) [يونس : 44] لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : “من عمل عملاً فلم ير أثره في نفسه ، فليعلم أنه مدخول ، فإن الرب شكور”.. ، إذ له من الشكر مايكافئ صالح عمله ، فلا يفوت شكر بتقوى ، إلا لما فات العمل من صلاح وتقوى .. والله المستعان..

  فليس الصائمون سواء ، كما ليس المصلون سواءً ، فهناك أنصاف وأرباع وأعشار ، وهناك أهل الكمال ، وأيضاً أصحاب أصفار ، إذ تعتبر وتتفاضل الأعمال عند الله ـ عز وجل ـ بتفاضل ما في القلوب …

  والعلاقة الطردية بين طرفي المعادلة – العبادة والتقوى – تحدد اتجاه السير ، إما إلى الله  ـ تعالى ـ بزيادة الإيمان ونمائه ، وإما بعيداً عنه – عز وجل – بتناقص الإيمان وانكماشه , وليس ثمة وقوف البتة ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّم أَوْ يَتَأَخَّر ) [المدثر : 37] ..

  وقد دلنا الله– تعالى – على مايحقق لنا التقوى في عبادتنا ، فقال ـ عز وجل ـ : ( خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )  [البقرة : 63] ، فمن لا يأخذ الأمر بقوة منذ البداية ، ويحمل نفسه على الحزم والجد ، ولا تنبت له نبته العبادة الحقيقية ، ومن لا يتعهدها بالسقيا بماء الذكر ، المرة بعد المرة ، لا يحفظ في حياته عبادة حقيقية ، ومن يحرص عليها في عبادته.. فهو على أمل قبول العبادة وحصول ثمرة التقوى …

  فالمحروم حقاً.. من أتته مواسم الخير ، وفتحت له أبوابها ، ولم يدخل مع الداخلين ، وفاته بتفريطه ما حازه الحريصون ، وخرج وكأنه مادخل .. فلم يغفر له..

  فكن أخي الحبيب :

  1. ذا هدف واضح ، يكون منه الانطلاق ..
  2. ذا هدف واضح ، تكون عليه المحاسبة ..
  3. ذا سير جاد ، لا يعرف الضعف أو الغفلة ..
  4. وذا بصيرة صادقة في شرع ربك ، وفي حال نفسك ..
  5. وحريصاً على أن لا تكون من المحرومين ..

الضوء الرابع

للأسرار … أسرار

  في الصوم إسرار..، إذ تمسك  أخي عن المفطرات من الفجر إلى المغرب، تمسك حيث لا يراك الناس، وتمسك حين لا يراك الناس، تمسك وإن طعمت النفس، تمسك وإن طلب البدن، تمسك.. لأنك صائم.. وهذا إسرار بينك وبين ربك.

  وفي الصوم إسرار ..، إذا تمسك أخي عن المحرمات من قول الزور والعمل به، لأنك تترك ماكان حلالاً، فكيف تواقع ماكان حراماً ؟! ولأنك تعلم أن هذا الخلل، قد يؤدي إلى حبوط العمل..، فتمسك مع أن داعي الهوى موجود، وتمسك مع أن من الزور ماصار عرفاً مقبولاً قوياً، و تمسك مع أن من المعاصي ما لا يطلع عليه البشر، تمسك.. لأنك صائم .. وهذا إسرار، بينك وبين ربك ..

  بل الصوم يقوم على الإسرار .. ، إذ تمسك أخي عن كل ذلك .. لله، تخلص له دينك ، لاتقلد بذلك مجتمعاً، ولا تتبع بذلك عرفاً.. وهل يقوم الصوم إلا على الإخلاص؟!.. فيتجرد الباعث عن العمل ليكون طلب القرب من المحبوب  – تعالى -، وليكون رجاء الرحمة من الرحمن الرحيم، وليكون خوف الوعيد من ذي البطش الشديد.. قال – تعالى -: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ)  [الإسراء : 57]، فقل لي : هل هناك أخفى وأعظم من الإخلاص… إسرار بينك و بين ربك ؟!..

  فهل تعجب أخي بعد ذلك من أسراره ؟!.. فهو جُنَة، في الدنيا والآخرة، حماية ووقاية من الذنوب في الدنيا، وحماية ووقاية من النار في الآخرة…

  وهل تعجب أخي بعد ذلك من سر شفاعته لصاحبه يوم القيامة، بحرمانه إياه الطعام والشهوة في النهار؟!…

  أم تعجب أخي من تشبيه الصيام، بصرة المسك تحت الثياب؟!.. فلا يطلع عليها الناس، لكن طيب ريحها يجده الناس…

  وكيف لا، ومن الأسرار، أن الصوم لله و هو يجزي به…

  فوصية يا أخي جامعة :

1) كن ذا إسرار .. لتنال الأسرار ..

2) واحذر أن تنقطع .. دون ركب الأبرار..

الضوء الخامس

إحسان .. بإحسان

  هل تأملت أخي يوماً إحسان الله إليك ، وتفضله عليك ؟!.. دون سابق استحقاق منك ، بل وحتى دون لاحق شكر مكافئ ..، وهل تأملت أخي يوماً كم في نفسك من نعم لا تقدر على الوفاء بحقها ؟!.. من حياة وعقل وشعور وقوة واختيار و .. و..و.. وهل تأملت أخي يوماً كم حولك من نعم تغمرك لا تقدر على الوفاء بحقها ؟!.. من أهل وسكن ومال وإخوان وطعام و..و..

  ثم هل تفكرت وتدبرت أخي يوماً في إحسان الله إليك ، وتفضله عليك بما هو أعظم مما ذكرت لك سابقاً ؟! حين جعلك من المسلمين المؤمنين .. من أهل الصلاة والصيام .. من أهل تلاوة القرآن ، وهل تكون النجاة والسعادة إلا بذلك ؟!.. قال – تعالى – : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة [النحل : 97] ، فقد خصك الله من جملة خلقه.. بمزيد خير وإحسان ..

إذ جعل إحسان الإنسان إلى العباد من أعظم أسباب إحسان الرب – تعالى – إليه 

أما سمعت عن سنة الله السارية في خلقة ، إذ جعل إحسان الإنسان إلى العباد من أعظم أسباب إحسان الرب – تعالى – إليه ؟!.. فطنت لها المرأة العاقلة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين – رضي الله عنها – لما خاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه ، وقال :   “ لقد خشيت على نفسي ” ، فقالت :” كلا والله لا يخزيك الله أبداً ” ،ثم ذكرت العلة :” إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب     الحق ” [البخاري] فهمت ذلك ، وصدق الله فهمها ، أيده بقوله – تعالى -:(هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ )؟!.. [سورة الرحمن :60].

  أما بلغتك مقولة المؤمنين ، التي حكاها الله عنهم ( وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) ؟!.لتدرك أن إحسان الله – تعالى- إليك يوجب عليك إحساناً للعباد ، إذ شكر النعمة واجب ، وبه تحفظ النعم وتزداد ، وبالتقصير فيه تنقص النعم وتزال..

  لتفهم مما سبق ، العلاقة بين إحسان الله العظيم في رمضان ، حيث جعله الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنة ، وتغلق فيه أبواب النار ، وفيه تصفد الشياطين ، وفيه ليله خير من ألف شهر، وهو الشهر الذي كان يدارس فيه جبريل ـ عليه السلام ـ النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ القرآن ، من العام إلي العام ، وبين كثرة إحسان النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ إلى المخلوقين فيه ، فكان أجود ما يكون في رمضان ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ويتبعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على سنته المؤمنون والصالحون إلى آخر الزمان …

  فيثمر ذلك أخي :

  1. رؤية لإحسان الله إليك ، تُزيل حجاب الغفلة عن النعم..
  2. وحبَّا يُذِّل القلب لمحبوبه المحسن الكريم..
  3. وتعرُّضاً لفضل الله العظيم ، إذ لاغني لك عنه..
  4. مع شكر وتوسل ، بالإحسان إلي عباد الله في دينهم دنياهم..
  5. وتذكر لسيد المحسنين من البشر ـ صلى الله عليه وسلم ـ..

الضوء السادس

لا.. للتنازع

  الاختلاف شيء.. والتنازع شيء آخر ، إذ الاختلاف قدر كوني مشروع في حدود الشريعة المطهرة ، وفي ظل محكمات أهل السنة والجماعة ، التي اتفق عليه السلف الصالحون، والنظريات – أي: الاجتهاديات ، فهماً كانت أو تطبيقاً – عريقة في إمكان الخلاف –كما قال الشاطبي – رحمه الله – . أما التنازع بالتشغيب على القطعيات وأهلها ، أو بعدم انضباط التعامل مع الظنيات وأهلها ، فهو قدر كوني غير مشروع ، بل المشروع دفعه بحسب الإمكان..

  أمرنا الشارع بالصيام ، بقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :” صوموا … وأفطروا ” [متفق عليه]  فكانت درساً في الاجتماع عند الجمهور الذين ألزموا كل المشتركين في جزء من الليل بالصيام جميعاً وبالفطر جميعاً ، لأن الخطاب كان للجميع – ممن يصح أن يتوجه إليهم الخطاب – ، وكانت درساً في الائتلاف وعدم البغي والتنازع عند كل العلماء ، حتى الذين قالوا : إن لكل قُطر رؤيته . لأن الكل اتفق على اعتبار أن هذا الخلاف من موارد الاجتهاد، التي يُقَرّ أصحابها عليها ، فالكل على عدم تأثير ذلك على عصمة الأخوة  ، والولاء   الإيماني .. فكانا درسين .. في الكلمتين..

  بل بلغ من حث الشرع على الاجتماع و الائتلاف , أن جعل لمن يصلي التراويح مع الإمام حتى ينصرف أجر قيام الليلة كاملة ، ببركة الاجتماع على الطاعة ، فهل يمكن أن يقارب المنفرد المجتهد السريع مثل ذلك ؟! .. لا أتصور ذلك ..

  ثم ، ألم يكن كافياً في شؤم التنازع أنه يرفع العلم النافع ؟! .. إذ كان سبباً في رفع العلم بليلة القدر .. ، كما هو سبب في فشل العمل الصالح ، قال – تعالى – : ( وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَب رِيحكُمْ [الأنفال : 46] .

  كأن هذه الأمة المسكينة ، لم يسمعوا ذم الله لليهود : ( تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ) والتعليل : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لّا يَعْقِلُونَ ) [سورة الحشر : 14] فالتنازع بين المؤمنين من نقص العقل قبل أن يكون من نقص الدين .. وإنا لله وإنا إليه راجعون ..

  فعليك أخي الحبيب ، في رمضان ، وفي غيره :

  1.     أن تشعر حقيقة أنك من جسد ، ولست جسداً مستقلاً ..
  2.    وأن تملأ قلبك بالولاء للمؤمنين ، وتنزيل ماينافيه من غل أو حسد أو نحوهما ..
  3. وأن تجرد ذلك الولاء لله ، على الكتاب والسنة لا غير ، دون الآراء أو الأهواء ..
  4. وأن تكون من عناصر وحدة هذه الأمة وائتلافها ، لا من أسباب  تنازعها وافتراقها..
  5. ثم أذكر أخي بأن لأدنى من يصح انتسابه إلى الإيمان عليك حق ، كما أن لمن كمل له ذلك الانتساب حق ، وبينهما درجات ، فأعط كل ذي حق حقه ..
  6. وأذكرك أيضاً بأن المؤمن القريب ، حاز سببين فهو أولى بقرب وإحسان ومودة ، وبأن المؤمن الفاضل – بعلم أو عمل أوسبق أو دعوة ونحو ذلك – يحوز أسباباً قد يسبق بها المؤمن القريب ..
  7. و حتى لا تنسى .. للمظلومين من هذه الأمة علينا حق مضاعف ، بسبب ما يقع عليهم من ظلم … وقد ذكرنا الله بأيامه في عباده … وأخبرنا بأن الأيام دول … ووعدنا بأن يغير مابنا إن غيرنا ما بأنفسنا …

  اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا ..

  ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ..

  لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ..


التعليقات