قليل من الاقتصاد

يعود فشل الدولة في عالمنا العربي والاسلامي وعدم قدرتها على تحقيق التقدم الحضاري والنهوض بشعوبها الى ستة محاور رئيسية ، إلا أن ما يعنينا في مقامنا هذا هو التركيز على المعضلة المصرية ـ إن جاز التعبير ـ

وهذه المحاور الستة هي :

الاقتصادي والسياسي والهوية ثم المقاومة والقيم والتنمية

ولكن المحور الذي سنركز عليه هنا هو المحور الاقتصادي؛ أملاً في أن نستطيع استيفاء بقية العناصر لاحقاً إن شاء الله، وذلك لأهميته ولقلة تناوله وتحليله رغم خطورته وتأثيره في معترك السياسة التي انشغل الناس بسطوح التماس الملتهبة فيها.

وبالنسبة للنظام الاقتصادي نجد أن أشهر النماذج الاقتصادية عالمياً تتوزع بين أربعة مدارس رئيسية وهي؛

الشيوعية المادية، والرأسمالية الكلاسيكية ، والرأسمالية المتوحشة أو “نيو كلاسيك”، وأخيراً النظام الكينزي،

وقد تاهت بلادنا في حلقة اقتصادية مفرغة بين المدارس الثلاثة الأولى أو ما يشابهها؛ فمن الاشتراكية في عهد الرئيس عبد الناصر، إلى الانفتاح الرأسمالي المفاجئ في عهد الرئيس السادات، وانتهاءً بحالة الرأسمالية المتوحشة التي دشنها نظام مبارك ومازلنا لم نتعافى بعد منها حتى الآن، فهل يا ترى يجوز لنا أن ندخل في المرحلة الرابعة لعلنا نخطوا ولو خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح نحو دورنا ومكانتنا الطبيعية في مصاف الدول المتقدمة والمتميزة اقتصادياً وحضارياً؟!

ولكسر هذه الحلقة تنبغي دراسة التجارب الناجحة التي خاضتها بعض الدول الحرة التي حققت التقدم وأنهت حالة الفشل وتغلبت على الأزمات الاقتصادية، بأخذها بالنظام الكينزي الذي يعتمد على الاشتراكية الفابية التي اسسها جورج برنارد شو والذي تأثر تأثراً كبيراً بالحضارة والنظم الاقتصادية والاجتماعية الإسلامية كما ذكر هو نفسه في بعض كتبه مثل كتابه المعنون بالإسلام الأصيل وغيره، ولذا استمدت نظريته بعض مبادئها من العدالة الاجتماعية في الإسلام، كاعتماد القطاعين العام والخاص بصورة متوازية لا تلغي إحداهما الأخرى، وكذلك ربط القيمة النقدية بالقيمة الإنتاجية وإنهاء حالة الاقتصاد الورقي أي بيع المال بالمال وتحويل العالم إلى مائدة قمار كبيرة كما فعلت الرأسمالية المتوحشة بالمقامرة والمضاربة في البورصات والبنوك دون منتجات أوسلع حقيقية، وهذا يحتم أن تقوم الدولة بالإشراف على الإنتاج وعدم منح القروض البنكية إلا ضمن هذه السياسة، وأخيراً إعطاء الفرصة للرأسمالية الوطنية المحدودة للمساهمة في نمو البلد، وبهذا فقط تبدأ الدولة بالنمو الاقتصلدي.

تميز النظام الإسلامي عن نظرية الاقتصاد الكينزي بتحريم الغرر والغش والنجش والميسر والقمار وبخس الناس أشياءهم وبيع ما ليس عندك وبيع ما لا تملكله ولا تستوفيه وغيرها

بينما تميز النظام الإسلامي عن نظرية الاقتصاد الكينزي بتحريم الغرر والغش والنجش والميسر والقمار وبخس الناس أشياءهم وبيع ما ليس عندك وبيع ما لا تملكله ولا تستوفيه وغيرها، كما قدم النموذج الأمثل للتكافل الاجتماعي كحلقة وسيطة وواصلة بين القطاعين الخاص والعام.
ولا ينبغي أن ننسى أن مشروع مارشال القائم على النظام الكينزي هو ما أنقذ أوربا بعد الحرب العالمية الثانية من أزمتها الاقتصادية الخانقة، ثم كان هو نفسه ما أنقذ الاقتصاديات الغربية بعد الأزمة المالية عام 2004م والتي لم ينج منها إلا البنوك الاسلامية، كما اعتمدت ماليزيا والأرجنتين هذا النظام أيضاً لتقفزا إلى الوضع الحالي دون خسائر تذكر. إلا أن الطمع بالنتائج السريعة والباهظة للمقامرات الورقية هو ما أعاد أوربا مرة أخرى إلى الرأسمالية المتوحشة.

كما ينبغي أن يسهم أي استثمار أجنبي في نقل التكنولوجيا وادخال التقنيات الجديدة إلى البلد، بحيث لا يكون مجرد منحة للمستثمرين للإثراء الرأسمالي الفاحش على حساب البلد واقتصادها ومستقبلها؛ بسبب التسهيلات الضريبية ورخص اليد العاملة دون أن تستفيد البلاد بالتكنولوجيا الصناعية الجديدة والتي هي العامل الرئيسي في تقدم الدول، كسبيل للانعتاق من عجلة التبعية ومعاناة الفقر والجهل كأهم أسباب التخلف، وهذا عين ما فعلته الصين في نهضتها، وهذه الاستراتيجية تحديداً هي التي ستتحكم في معيار التفاضل بين الدول التي ينبغي أن يتم توجيه الاستثمارات إليها كالدول الغربية المتقدمة صناعياً على سبيل المثال دون بعض الدول الخليجية الثرية مع افتقارها لأية ميزة ملحوظة من هذه الناحية.


التعليقات