الاغتيال الاقتصادي للأمم

هل هم قتلة يغتالون الأمم وقراصنة يسرقون الدول لكن بهيئات ومؤهلات تناسب الحداثة وعصر ما بعد الآلة؟ وهل ما يفعلونه هو لعب في المسموح لبث الرعب وفرض هيمنة إمبراطورية العولمة، أم خروج عن الطوق وانعتاق من حركة الدولاب و الدائرة الجهنمية؟ وهل من المعقول أن تعاقب القوانين المختلفة بأشد أنواع العقوبات لبعض الجرائم التي تطال فرداً أو مجموعة من الأفراد ثم تكافيء هؤلاء القتلة المحترفين والقراصنة لقتلهم وتجويعهم ملايين البشر؟

إنهم ليسوا شيلوك ذلك المرابي اليهودي في تاجر البندقية لشكسبير وإنما نوع آخر من المرابين الذين يثقلون كاهل الدول بالديون والفوائد مما يحيل تقدمها ويمنع نهضتها ربما للأبد، نعم هم محتالون على أعلى المستويات التأهيلية وهدفهم الرئيسي هو تدمير اقتصاديات الأمم بإقناعها بمشاريع عملاقة تستمد دعمها منهم ثم تعود إليهم بأرباحها بينما لا تجني الضحايا غير الوهم والموت والدمار.

في كتابه الذائع الصيت؛ ” الاغتيال الاقتصادي للأمم  “  والذي لم يحقق نسبة مبيعاته كتاب آخر في أمريكا منذ عام 2004م وحتى الآن كما تقول النيويورك تايمز، كما ترجم إلى أكثر من ثلاثين لغة من بينها العربية؛ يقص علينا ”  جون بركنز  “ سيرته الذاتية بصفته قاتلاً إقتصادياً وقرصاناً سابقاً لصالح الولايات المتحدة الأمريكية وشركاتها العملاقة في الدول النامية لتدخلها في دائرة الفقر والجهل والمرض وتشعل فيها الصراعات والفساد السياسي والاقتصادي، كما يزعم بركنز أن ضميره قد استيقظ فجأة بعد احتلال العراق رغم موته لمدة عشرين سنة نتيجة إصابته برشوة مجزية كمقابل لجهوده القاتلة .
يناقش الكتاب ظاهره المساعدات الإنسانية ظاهراً والاحتلال الاقتصادي والهيمنة السياسية باطناً، عبر عمليات خاصة يقوم فيها قراصنة الاقتصاد المحترفون بسلب المليارت من أموال الدول النامية وشعوب العالم الثالث حتى وصل العالم إلى ما يعيش فيه من أزمات رهيبة لا يدري منها فكاكاً؛ إذ يموت جوعاً في كل يوم حول العالم بسببها أربعة وعشرون ألفاً، كما تسببت في أزمات خطيرة مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر واحتلال العراق.

أن الاغتيال الاقتصادي للأمم هو الوظيفة الأساسية للولايات المتحدة الأمريكية التي تعمد عبر وسائل إعلامها ومؤسساتها التي ترتدي ثوب العالمية والمؤسسات الدولية

يؤكد جون بركنز أنه واحد من فرقة كامله من القراصنة تقوم بنفس المهمات حول العالم، كما يقدم قائمة بضحاياه من بلدان أمريكا اللاتينية والشرق أوسطية، وأن الاغتيال الاقتصادي للأمم هو الوظيفة الأساسية للولايات المتحدة الأمريكية التي تعمد عبر وسائل إعلامها ومؤسساتها التي ترتدي ثوب العالمية والمؤسسات الدولية؛ إلى اصطناع التقارير المالية، وتزوير الانتخابات وابتزاز الزعماء والمسئولين في الدول النامية بوسائل رخيصة كتقديم الرشى المالية أو الجنسية أو التهديد بالقتل للحصول على قروض هائلة أوهقت شعوبهم ودولهم في الديون وكرست التبعية الاقتصادية لها، فإن لم تنصع تلك الدول وأولئك الزعماء؛ فإن وحدة الجاكلز التابعة للمخابرات الأمريكية قادرة على تصفيتهم فوراً كما حدث في بنما والاكوادور، وربما التدخل العسكري بجيشها كما حدث في العراق أو تدبير الانقلابات العسكرية كما جرى في بوليفيا وفنزويلا.

وفي كتابه الخطير أياً كانت أهدافه يطرح بركنز صورة واضحة للفرق بين الاحتلال الأمريكي والاحتلال التقليدي الذي انتهجته القوى القديمة، فبينما قامت بريطانيا وفرنسا باحتلال الأمم عسكرياً وبشكل غاشم بما يكلفه ذلك من خسائر مادية وبشرية فادحة؛ وكذلك ما ينتج عنه من نضال من الشعوب نحو التحرر والانعتاق. تقوم أمريكا باستعمار الشعوب عبر سياسة الإحتواء الإقتصادي باستخدام أداة ما يسمى بالمؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي وغيره لتقديم مساعدات وقروض للدول النامية لا يستفيد منها في الحقيقة غير الشركات الأمريكية نفسها!!

حيث تقوم بالتدخل في شئون تلك الدول بحجة بالرقابة على حركة تلك الأموال بزعم الشفافية ومراقبة أموال الدائنين أو مقدمي المساعدات، كما يُعهد إليها بتنفيذ المشروعات الاستثمارية العملاقة في الدولة المستدينة كخدمات البترول والمواصلات والطرق والمطارات وغيرها.

إذن فأمريكا ستسيطر على الدول عسكرياً وسياسياً وشركاتها ستجني عقود الإعمار والمشاريع العملاقة والبنك الدولي سيحصل على فوائد القروض بينما لن تخسر إلا الدولة المستدينة.

وبينما تعجز هذه الدول الضعيفة أو الهشة عن سداد فوائد الديون؛ يأتي دور المساعدات أو المعونات الاقتصادية مقابل بناء القواعد العسكرية التي تضمن الهيمنة والسيطرة السياسية والعسكرية بعدما ضمنت القروض الهيمنة الاقتصادية!!
كما تفرض امريكا سياسية العولمة والرأسمالية الجديدة أو المتوحشة بخصخصة القطاع العام، بزعم الإصلاحات الاقتصادية وفرض الضرائب بأنواعها وكذلك اعتقال هذه الدول في قيد الاتفاقيات الدولة كالكويز وغيرها .

إذن فأمريكا ستسيطر على الدول عسكرياً وسياسياً وشركاتها ستجني عقود الإعمار والمشاريع العملاقة والبنك الدولي ـ الأمريكي أيضاً ـ سيحصل على فوائد القروض بينما لن تخسر إلا الدولة المستدينة.


التعليقات