إذا تفرقت الغنم قادتها العنز الجرباء

تعاني مصر من حالة انسداد سياسي حقيقي يؤذن بحالة من الاهتزاز الاقتصادي غير مسبوقة ربما في تاريخها كله، وشر ما يكون الانسداد إذا كان مصحوباً بالاستقطاب بما قد ينشأ عنه من احتقان وشعور كل طرف من أطراف العملية السياسية والمجتمعية بتهديد ـ ربما كان وجودياً ـ من الأطراف الأخرى، وهو ما انعكس بالضرورة على تلكم الأدبيات العنيفة التي أنتجت بالضرورة تلكم الممارسات العنيفة أيضاً.

وفي موقف العاجز تقف جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي الحرية والعدالة في موقف ربما بدا للبعض حكيماً وربما بدا لآخرين عاجزاً، ويشابهها بنسبة لا بأس بها سائر مجموعات الحراك السياسي الإسلامي فيما ظهر كترجمة فورية لعقود الحصار والاعتساف والضرب بيد السلطات الحديدية عليها مما أفقدها القدرة علي استثمار طاقاتها الهائلة وكواردها الهادرة.

 وصلت للفخ المنصوب لها ربما عن دون قصد من أحد لتقع في هذا المحك التاريخي والاختبار الصعب في موقع السلطة في بلد تمر بمرحلة هي من أخطر مراحلها التاريخية فيما بعد ثورة شعبية هائلة.

نعم وصلت القوى الإسلامية لمواقع متقدمة في كل المناصب السياسية في البلاد بفعل المد الشعبي الكاسح والقدرة على الاتصال بالجماهير واستثمار حبها للإسلام وبالتالي من يمثلونه لكنها في الحقيقة وصلت للفخ المنصوب لها ربما عن دون قصد من أحد لتقع في هذا المحك التاريخي والاختبار الصعب في موقع السلطة في بلد تمر بمرحلة هي من أخطر مراحلها التاريخية فيما بعد ثورة شعبية هائلة.

وفي الحقيقة فأننا قد نختلف في أسباب الأزمات الحالية وكيفية الخروج منها وقد يحمل كل منا الآخر النصيب الأكبر في كل ما يجري، بينما أرى أنه لا يتحمل كل ما يجري في الحقيقة إلا الرئيس محمد مرسي شخصياً لا الجماعة ولا الحزب ولا قوى المعارضة، نعم سيحتج له الجميع وأنا معهم احياناً بصعوبة الموقف وخطورة المرحلة وتبعات الحقبة السابقة البائسة، لكن ألم يكن سيادة الرئيس ومن ورائه الحزب والجماعة بعلمون أنهم مقبلون على هذا الموقف وتلكم المرحلة وهذه التبعات؟

وفي ظني أن مشكلة الرئيس ليست في الحقيقة في تبعيته للمرشد أو لنائبه كما تزعم القوى المعطلة أو المنافسة سمها ما شئت؛ وإنما في المنهج التصالحي الذي ورثه من جماعة الإخوان والذي قد يبدو متردداً أحياناً وقد لا يناسب تداعيات مراحل ما بعد الثورات.

فالمنطقة الزمنية التي تقع في أعقاب أية ثورة تحتاج في حقيقتها لخطوات تاريخية مفصلية وربما انقلابية واستئصالية لإقامة الأمور في نصابها

فالمنطقة الزمنية التي تقع في أعقاب أية ثورة تحتاج في حقيقتها لخطوات تاريخية مفصلية وربما انقلابية واستئصالية لإقامة الأمور في نصابها ولابد لأي حاكم يقوم بها أن يأخذ صك السند الشعبي ولذا فلابد أن نرنو بعين الاعتبار إلى المراحل السابقة في تاريخ أمتنا على الأقل؛ فالرئيس عبد الناصر استطاع أن يكسب ود الجماهير في فترة هي من أصعب الفترات في تاريخ البلاد؛ فالرجل قد قام بعمليات التأميم الاستئصالية على الصعيد الاقتصادي بعدما قام بها على المستوى السياسي للنظام السابق عليه، ثم وزعها على عموم الشعب من الفلاحين فيما عرف بأراضي الإصلاح الزراعي؛ ورغم انها كانت مسددة الأجر على مر أكثر من ستين عاماً ورغم صدور حكم من القضاء الإداري بعدم شرعية المصادرة إلا أن الرجل كان قد حقق الرقم الصعب إذ اكتسب حب الجماهير وتأييدها وفي الحقية أنه من الظلم والتعسف أن ننسى هذه الحقيقة ونزعم أنه ما نال ما ناله إلا بالخطاب الديماجوجي والخطب العصماء، والمهم في الأمر أنه مضى قدماً بهذا الصك الشعبي فأمم القضاء أيضاً فيما عرف بمذبحة القضاء وأمم الأحزاب وقضى على خصومه ومعارضيه بمنتهى العنف فقط بموجب الشيك الشعبي الموقع على بياض.

وفي ظني أن الرئيس مرسي يحتاج الآن لهذه الروشتة العاجلة.
وفي تقديري أنه لابد أن يصل إلى عموم المطحونين والمهمشين والضعفاء والكادحين شي من النظام الجديد ما بعد الثورة بحيث تكون هذه الجماهير هي السند الشعبي للنظام الجديد وبالتالي تمكنه من القيام بالإصلاحات الجذرية اللازمة دون أن يخشى احداً لا الثورة المضادة ولا القوى المناهضة ولا بعض الأجهزة والمؤسسات والتي قد تصبح انقلابية في ظروف ما ومعطيات ما.

وبعيداً عن قروض صندوق النقد الدولي وإملاءاته البائسة وأوهاقه الثقيلة على أجيالنا القادمة، فالدولة قد حصلت على بعض المساعدات كما توفرت لها بعض أموال المصالحات من أموال رموز النظام السابق المنهوبة من الشعب وكذلك من أموال الضرائب المسروقة أو من المصادرت القانونية لأملاك بعض رجال الأعمال، وفي ظني أن المطلوب الآن ليس بناء منظومة تنموية لن يسمح لك أحد في ظل أجواء الاضطراب أن تقوم بها ـ هذا في حال توافر الرؤية اللازمة لها أصلاً ـ وإنما بضخها في الجهاز الإداري والتنفيذي للدولة بمعنى؛ ضخ هذه الأموال ـ وربما غيرها مما قد يمكن توفيره من بعض الدول الصديقة ـ في وزراة الزراعة مثلاً لتخفيض أسعار التقاوي والأسمدة ورفع بعض المديونيات عن الفلاحين، كما ولابد من ضخها كذلك في وزارة التموين لتخفيض أسعار السلع الأساسية وأخيراً رفع مستوى الرواتب دون زيادة في الأسعار.

ولابد للرئيس من دائرتين من المستشارين المحايدين الملزمة مشورتهم في هذه المرحلة بحيث يغلب عليهم الطابع الاقتصادي؛

أما الدائرة الأولى فهي مستشاروه الشخصيون

وأما الثانية فهي اللجان الاستشارية التمتخصصة في كافة المجالات، كما لابد أن يحذر من تسريبات بعض الأجهزة والتي قد لا تكون خالصة لوجه الله بل ربما تكون وصفة لتوريطه فيما لا يريد، كمعلومات إدانة الدكتور خالد علم الدين والذي أقيل في توقيت خطير وغريب مهما كانت الأدلة المتوافرة ضده والتي لا يستطيع الرئيس إظهارها وإنما التلويح بها كما فعل في اتهاماته لبعض رموز المعارضة، وأخيراً اتهامه للمخابرات على لسان المهندس أبو العلا ماضي، وبالتالي يبقى الرئيس ملزماً ـ وبصك السند الشعبي بالضرب بيد من حديد على المفسدين الذين تتوافر بحقهم الأدلة القانونية أياً كانوا.

 أن المتربصين بهذه السفينة كثر وفي حال غفلتنا عن هذه الثغرات والتخللات في بنيانها فقد نتعرض لخطر فادح وداهم

إن سفينة مصر العظيمة الماخرة تمر اليوم بعاصفة عاتية وخطيرة وفي ظني أن الرئيس محمد مرسي على الصعيد الشخصي هو رجل فاضل وصالح وسوي ولكن هذه المقومات ليست هي فقط ما يدير دفة بلد عظيمة كمصر بالضرورة وإنما تحتاج إلى معطيات إضافية، وفي ظني أيضاً أن السفينة ستصل إلى بر الأمان ولن يكون هذا إلا بشراكة سياسية حقيقية توزع المسئولية على الجميع دون استثناء.
ولا يمكنا أن ننسى أن المتربصين بهذه السفينة كثر وفي حال غفلتنا عن هذه الثغرات والتخللات في بنيانها فقد نتعرض لخطر فادح وداهم؛

فإنه إذا تفرقت الغنم قادتها العنز الجرباء.

التعليقات