إثم الإريسيين

يستفزني جداً ما يكرسه البعض من دوغمائية طائفية، ولذا فالكثير من وسائل الإعلام تعد مستفزة بالنسبة لي من هذه الناحية، فكثير من الفضائيات لكي تجذب الانتباه فإنها تعمد مباشرة إلى استضافة طرفي نقيض أحدهما من أقصى يمين المصريين المسلمين والآخر من أقصى شمال المصريين الأقباط وإشعال فتيل معركة وهمية تدق فيها طبول الحرب وتقطعها فواصل الإعلانات المربحة، ولهذا فقد اتخذت منهجاً أحاول به عكس هذه الحالة وهو الهدوء أو محاولة الهدوء في أية ((مناظرة)) تلفزيونية مع أي ممثل للجانب القبطي خاصة لو لم يفوضه أحد للتمثيل؛ في محاولة يائسة لإضفاء صوت العقل الرصين على حوار أبناء البلد الواحد.

ليس عندنا من مشكلة طائفية وإنما هي فتن بثها النظام البائد وساعده عليه قوم آخرون

وفي الحقيقة فقد كنت أومن دائماً أنه ليس عندنا من مشكلة طائفية وإنما هي فتن بثها النظام البائد وساعده عليه قوم آخرون، ولكن يبدو حقاً أن هذا الهوس قد اكتسب مساحات واسعة في عقول بعض الناس وإن كانت بعض وسائل الأعلام قد ركزت هذه الدعوى في السنوات السابقة في الجانب المسلم فحسب خدمة لأجندات معينة إلا أن الدعوى موجودة أيضاً في عقل “مجموعة نخبة” أو إن شئت قلت: “مجموعة أزمة” معينة في الطرف القبطي أيضاً وربما بصورة أكثر استنفاراً.

فعندما ينطلق البعض دائماً من منطلق مظلومية الأقباط وعدم اتخاذهم حقوقهم ونسبة مشاركتهم في الوظائف الريادية أو العامة ونحو ذلك فإن المنطلق نفسه يعد مستفزاً إذ يبدأ من ما قبل نقطة الصفر ويكرس هو العزلة مبدئياً كفئة ما “مضطهدة” ولها حقوق أو امتيازات ينبغي أن تكون خاصة.

وقد راهن أصحاب هذا الطرح على فكرة تخويف أقباط مصر الذين يحلو للبعض أن يصفهم “بالشعب القبطي” أو “شعب الكنيسة” وكأنهم شعب آخر موازي أو بديل للشعب المصري، راهنوا على فكرة تخويفهم من وصول مرشح إسلامي ينتمي للإخوان المسلمين الذين سيفتحون لهم محاكم التفتيش إلى غير ذلك من أساليب الدعاية السوداء ولذلك فإنني أظن أن من أفضل ما سنجنيه من وصول مرشح إسلامي للسلطة هو إقناع الإريسيين ـ أي العمال والفلاحين والبسطاء ـ من أبناء شعب مصر الذين أبدى النبي صلى الله عليه وسلم شفقته بهم في أو رسالة إلى المقوقس عظيم مصر إقناعهم بإن “الإسلاميين” ليسوا ذلك البعبع الذي سيأكلهم ويغلق كنائسهم ويظلمهم حقوقهم.

وخذ عندك ملفاً كالرقابة مثلاً والتي نحسب أن فرصتنا تاريخية في سن قوانينها الدستورية كما هو الحال في الدساتير العالمية الحديثة التي تنص على كافة أنواع الرقابة السياسية والاقتصادية والأمنية والإعلامية وغيرها، فعندما طرح هذا الملف للنقاش وأثيرت فيه قضية كالرقابة على أموال ومقرات وأنشطة جماعة الإخوان المسلمين، وكانت كافة فئات المجتمع ـ حتى الأفراد ـ تخشى الرقابة في ظل نظام مجرم أراد أن يشارك الناس حتى في أملاكهم الخاصة، أما الآن وفي ظل الثورة والحرية فلا ينبغي أن يخشى أحداً هيمنة الدولة ورقابتها بما يكفله ذلك من الأمان والمحاسبة.

ولذا اتخذنا موقفاً مؤيداً لهذا الأمر ولكن لا ينبغي أن نقف عند هذا الحد فكما أننا نؤيد هذا في حق الإخوان المسلمين وهو موجود بالفعل في حق الأزهر الشريف والأوقاف الإسلامية فمن الواجب كذلك أن يطبق على أموال الكنيسة وأديرتها الشاسعة.

وفي ظننا أن هذه الدعوة وطنية من الطراز الأول لا طائفية كما قد يظن البعض بل إنني في الحقيقة أستغرب من الموقف الرافض لها من داخل الكنيسة أو خارجها بحجة أن أموال ومشاريع الكنيسة الضخمة لا يطلع عليها إلا “أمناء الأسرار بل إن المحاسبة على أية جناية مالية أو إنسانية داخلها لا يكون إلا لهم وأنها: “وصية إلهية”، بمعزل عن رقابة الدولة، وهذا في حد ذاته نموذج يستحق علامة صنع في مصر فقط!!
ويزداد عجبي من مواقف بعض متزعمي أو راكبي موجة “الدولة المدنية” حين لا أسمع لا أحس من أحد منهم من استنكار أو أسمع لهم ركزاً!!


التعليقات