الشخصية الإخوانية.. نمط محاكاة المجتمع

لم يُقدّر لعبارة من عبارات الأستاذ  «حسن البنا» أن تكون ذات فاعلية وأثر في الأخوان أكثر من هذه العبارة: «لا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض، وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد».

فمنذ ذلك الحين وفن التعايش عند الإخوان هو الفن الرائج، ومهارة تجنب الصراع عندهم هي معيار الكفاءة، والمرونة عندهم هي النوع المفضل من التضحية،  والإصلاح الناعم عندهم هو طريقة التغيير، والشخصية الإخوانية الواعدة هي التي تجيد الردود الديبلوماسية. أما كل سيئات الإخوان وخطاياهم فليست سوى ما سبق من سمات ولكن من منظور آخر، فكلها تدور أيضا حول فكرة عدم الصراع ولكن من منظور سلبي، فهي بحسب خصومهم: مداهنة، وتنازل عن الثوابت، وانتهازية، ونفاق، وجبن، ولجوء لأنصاف الحلول.. إلخ. وهذه هي صورة الواقع الذي جسدته مقولة «حسن البنا»، سواء كما يراها الإخوان أم خصومهم.

لسنا هنا مضطرين لاستعراض قائمة بتنازلات الإخوان، يمكنك الرجوع لأي مصدر بهذا الشأن، وأولها كتاب «الحصاد المر للإخوان المسلمين» للدكتور «أيمن الظواهري»، ولسنا هنا أيضا بصدد الدفاع أو الهجوم، ولا يعنينا هنا الترجيح بين (الحنكة والحصافة ) وبين (اللاأخلاقية واللامبدأ)، وأي من النظرتين هي الأدق في وصف الإخوان، لكننا معنيون بـ (إعادة توصيف الحالة) في ضوء ما توفر لنا من حقائق سابقة حول التفاعلات الخفية والعميقة بين الإسلاميين وبين المجتمع.

محاكاة المجتمع كحل لأزمة الاغتراب عنه:

بمقدورنا الحصول على منظور أشمل للإخوان إذا عقدنا صلة بين ما استنتجناه من تغريب اجتماعي للإخوان، بالنظر إليهم كنوع من الإسلاميين، وبين المداهنة الإخوانية للمجتمع كنوع من التكيف مع أزمة الاغتراب. “الاغتراب حقيقة نفسية تستند إلى واقع موضوعي هو(الاختلاف)، والمحاكاة هي نفي للاختلاف كوسيلة لإنكار الاغتراب” .

ينبغي هنا التأكيد على ما سبق وذكرناه من ضرورة التمييز بين مستويين من التفاعل بين المجتمع وبين الإسلاميين، مستوى مضمر يتضمن شعور بالتهديد تجاه كل منهما للأخر، ويعود إلى الوجهة الطبيعية المضادة للمجتمع، ويترتب عليه (حالة نفسية) عند الإسلاميين، ومستوى صريع يعود إلى ما يراه كلا منهما من الآخر من عداء سافر، سواء كان العداء مختلقا أم مضخما أو حقيقيا، ولنعلم أن المستوى المضمر في التفاعل بينهما هو سيد الموقف في النهاية. ووظيفة ذلك التمييز في الحالة الإخوانية هو الكشف عن حقيقة مؤلمة للغاية: هو أن تنازل الإخوان كان وسيكون دائما غير ضروري ومبالغا فيه من ناحية الموضوعية، وسيستمر حتى لو وصل الإخوان للحكم، لأنه يعود لا إلى حسابات منطقية، بل إلى (حالة نفسية) تحكمت في الشخصية الإخوانية ويصعب اقتلاعها.

إننا نقف موقفا وسطا بين الثقة بالإخوان وبين احتقارهم

إننا ببساطة: مشفقون عليهم. فليسوا هم بأهل ثقة لأن مراوغتهم ومرونتهم ومداراتهم وحصافتهم الاجتماعية ليست  (خيارا سياسيا واعيا)، بل هو في حقيقته (حالة نفسية غير واعية).

إننا مع ذلك لا نحتقرهم شأنهم في ذلك شأن أهل النفاق والانتهازيين والنفعيين، فأغراضهم ليست شخصية، ومراميهم نبيلة، وليس ذلك النفاق والتنازل سوى اضطرارا يعالجون به شعورا جارفا بأنهم موضع عداء المجتمع وكراهيته.

لذلك قلت أننا نقف موقفا وسطا بين الثقة بهم وبين احتقارهم، وأن الشفقة عليهم يجب أن تجد إلى نفوسنا سبيلا. ويمكن التعبير عن موقف الإخوان المضمر من المجتمع في هذه العبارة: «لم كل ذلك الارتياب منا، إننا لا نريد لكم إلا الخير، إننا لسنا غرباء عنكم، إننا نشبهكم تماما، كل ما تجدونه ثابتا من ثوابتكم هو مُبرَّر مباح في عقيدتنا، حتى معارضتنا للنظام لن تتجاوز حد معارضتكم له، ولن يرتفع سقف سخطنا عليه فوق سخطكم أنتم عليه، ومحاولاتنا الإصلاحية لن تعتمد إلا ما ترضونه من وسائل، نرجوكم أن تترفقوا بنا ولن تجدوا منا ما يزعجكم، بل سنكون لكم خيرا مما تظنون».
«حسن البنا» يتحدث في عبارته الشهيرة عن (النواميس الكونية) التي لا ينبغي الصدام معها، إنه في الحقيقة يتحدث عن المجتمع لا النواميس، وليس حديثه عن النواميس سوى شعور بالرهبة من المجتمع، وخوف من غضبته، ويقين بقدرته على سحق ما يهدده، وهو الشعور المسيطر على الإخوان إلى الآن والذي سيظل مسيطرا عليهم في المستقبل.

لقد استنتجنا، من خلال الوضع النفسي غير السوي للإخوان، أن التشاؤم فيما يتعلق بمستقبل حالة (التنازل الإخواني للمجتمع) له ما يبرره، وأن الأمر سيطول هكذا إلى أمد غير قريب، وليس بيدي هنا أيضا أن أستنتج فاجعة أخرى ليست بأقل من الأولى وطأة، هو أنه طالما أن أخطاء الإخوان ليست في النهاية سوى (آلية دفاع ضد الاغتراب الاجتماعي)، وطالما أن أزمة الاغتراب مستغرقة لكافة الإسلاميين، فمن المؤكد أن سلوكيات التيارات الأخرى ليست هي بدورها سوى طرائق مختلفة لحل نفس الأزمة، أي أزمة الاغتراب، وأن ما يميز كل فصيل عن الآخر هو شكل الدفاع الذي ارتضاه للدفاع عن نفسه. وأن علينا إذا أن نفحص سائر التيارات انطلاقا من هذا الاستنتاج، وأن نجيب على هذا السؤال:

إلى أي مدى يمكن اعتبار الدعوة السلفية والتبليغ والدعوة والقطبيين والتكفير والهجرة وبعض الممارسات العسكرية، ليست طرائق في الهجوم بقصد تغيير المجتمع بقدر ما هي طرائق في الدفاع عن الذات الإسلامية ضد أزمة الاغتراب؟

التعليقات