حادثة المجبوب

روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلاً كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ وَلَدِ رَسُولِ اللَّهِ ‏صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صلى الله عليه وسلم لِعَلِيِّ بن أبي طالب: ((اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ)) فَأَتَاهُ عَلِيٌّ.. فَإِذَا هُوَ فِي رَكِيٍّ ([1]) ‏يَتَبَرَّدُ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اخْرُجْ! فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ، فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ، فَكَفَّ عَلِيٌّ عَنْهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ ‏صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَمَجْبُوبٌ مَا لَهُ ذَكَرٌ! ([2]) ‏

قالوا: كيف يأمر رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم عليًّا رضي الله عنه بقتل رجل بريء لمجرد التهمة، وكيف يَحكُم على رجل بالقتل في تهمة لم تُحقَّق ولم يواجه فيها المتهم، ولم يُسمع له فيها دفاع؟!

الحقيقة: إن هذه الشبهة ليست جديدة، بل ذكرها كثير من العلماء قديمًا وحديثًا، وردُّوا عليها من أكثر من وجه، وهذه الرواية ليست الوحيدة التي ذكرت هذه الحادثة، وهناك قاعدة في علم الحديث ذكرها الإمام ابن حجر في الفتح بقوله: (المُتَعَيِّن على من يتكلم أن بعض الرواة يختصر الحديث: أن يتتبع الأحاديث ويجمع طرقها، ثم يجمع ألفاظ المتون إذا صحت الطرق، ويشرحها على أنها حديث واحد، فإن الحديث أولى ما فُسِّرَ بالحديث).

وتطبيق هذه القاعدة يقتضي ذكر الطرق الأخرى لهذا الحديث، وأهمّها الطريق الذي رواه الإمام الطحاوي في مشكل الآثار، عن علي بن أبي طالب قال: كان قد تجرءوا على مارية في قبطي كان يختلف إليها، فقال لي رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم: ((انطلق، فإن وجدته عندها فاقتله)) فقلت: يا رسول الله، أكون في أمرك كالسِّكَّة المُحْمَاة ([3]) ‏وأمضي لما أمرتني لا يثنيني شيء.. أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: ((الشاهد يرى ما لا يرى الغائب)) فَتَوَشَّحْتُ سيفي، ثم انطلقت، فوجدته خارجًا من عندها على عنقه جَرَّة، فلما رأيته اخترطت سيفي، فلما رآني إياه أريد ألقى الجرة ([4]) ‏وانطلق هاربًا، فَرَقِيَ في نخلة، فلما كان في نصفها وقع مستلقيًا على قفاه، وانكشف ثوبه عنه، فإذا أنا به أَجَبّ أمسح، ليس له شيء مما خلق الله عز وجل للرجال ([5]) ‏فغمدت سيفي، وقلت: مَهْ! قال: خيرًا! هي امرأة من القبط، وزوجة رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم، أحتطب لها. فرجعت إلى رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: ((الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت)) ([6]) ‏

فكان المقصود من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التبيُّن ومراعاة الأوضاع قبل التعرف، وبهذه الرواية يزول الإشكال.


التعليقات