أحداث مصر من منظور قدري

يرجى ملاحظة أن هذه المقالة من المقالات القديمة التي لا يتطابق تاريخ نشرها على الموقع مع تاريخ نشرها الفعلي

انتهى عهد الجبربة أو هكذا بدا في غيرما بلد من ديار العرب والمسلمين وبصورة فجائية ومتتابعة وسريعة ومدوية وكأن العرش الحجري الجاثم فوق سقف الأمة قد تهاوى فجأة كما تهوي السماء على الأرض .

وتتيح لنا تتابعات الأحداث أن نقول أنها قدرية بامتياز، هذا وإن كانت كل مجريات الأمور هي في الحقيقة من قدر الله لكن بعض الأحداث تكون علامة فارقة بين مرحلتين تاريخيتين بحيث تتميز بالخوارق أو ما يشبهها بل وتتوارى فيها الأسباب أو تكاد بحيث تعمل يد القدرة شاخصة مبصرة يراها كل أحد .

كما كان مولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فارقاً بين مرحلتي الكفر والإيمان وما ميزه من سقوط إيوان كسرى وانطفاء نيران المجوس وغور بحيرة ساوه وظهور علامات كونية واختفاء أخرى وانهزام أصحاب الفيل وإرسال الطير الأبابيل .

ولهذا فقد حق لنا أن نقول أن ما حدث في دول العالم العربي وخاصة منها مصر هي أحداث قدرية بامتياز إذ تهاوت فيها عروش الطواغيت وأنظمة ظالمة مردت عليها أجيال من الناس ظنوا أنها لا تزول وأنه لن يقدر عليها أحد .

وإذا كان الوحي قد نبأ بعودة الخلافة وسقوط الجبرية كما نبأ بخلافتين أو أكثر قبل عهد الإمام المهدي عليه السلام بل ورد أن مصر ستكون منبره في آخر الزمان ، إلا أننا لا نتورط فيما تورط فيه الكثيرون إذ جزموا بتقرير وقائع ونسبة أشخاص وتحديد فترات ثم لم يلبث الواقع أن كذبها .

ولكننا نجزم أيضاً أن الفارق ما بين مرحلتين تاريخيتين ثابتتين على اليقين لورودهما في الوحي – وقد عشنا إحداهما بالفعل – لا يكون كما بين عشية وضحاها ولا كقطع السكين للجبن، بل هي فترات ومراحل وتعثرات لكنها تؤول في النهاية لتحقيق قدر الله كما جاء في الوحي ، فالله تعالى يحقق قدره بإرادته ويقيم شرعه بقدره وإن بدا القدر متعارضاً مع ظاهر الخبر .

وإذا احتكمنا هنا إلى القدرفإنه لابد أن نعلم أنه يعمل وفق المعطيات القدرية للمرحلة ومن أهمها قيام الفئة المؤمنة بالحق المنوط بها ، ودليل هذا الارتباط بين ضرورة عمل القدر ومعطيات المرحلة هو ارتباط بقاء الدنيا وهي قدر كوني ببقاء الطائفة المنصورة التي تقاتل على الدين وهو قدر شرعي بحيث ارتبط زوالها من الدنيا بزوال الدنيا ذاتها وانعدمت أحقيتها في البقاء ، وضرورة عمله من خلال معطياته إنما ترتبط بمبدأ السببية أيضاً .

وإذا نظرنا إلى ما يجري في مصر اليوم وتفرسنا في عناصر القدر ومعطياته علمنا أن هناك منافقون وأعداء متربصون وعسكريون وإعلاميون وسياسيون وهيئات ومؤسسات ورموز؛ كلها تعمل ضد الإسلام بل وضد الأمة والملة ، وإذا كان لازماً للقدر أن يعمل من خلال معطياته وكانت أهم معطياته هي الفئة المؤمنة فإنه كان من اللازم وبهذا المعيار أن تعود الأمور للوراء مرة أخرى كنوع من البلاء ، فالبلاء يقع بموجب السقوط في الفتنة والتمكين أيضاً يقع بموجب النجاة من الفتنة ، إلا أن البلاء نفسه نوعان : بلاء عقوبة وبلاء اصطفاء (وليتخذ منكم شهداء).

والمتأمل لواقع الحركة الإسلامية اليوم يعرف أنها غير مؤهلة للنصر والتمكين بل يكاد يجزم أنها قد جاءت بأغلب أسباب البلاء وسقطت في أكثر اختباراتها مما يحدو للظن بتكرار الدورة الزمنية التي تمثل فترة العقوبة والتيه مرة أخرى .

وإذا كنا قد قررنا أن أهم معطيات القدر والتي تحدد شرائط عمله هو قيام الفئة المؤمنة واستحقاقها للبقاء والتمكين بواقع القيام بمهمتها واجتيازها للفتن ؛ كما أثبتنا رأياً بعدم استحقاقها للتمكين فقد بقي خيار البلاء سواء كان للعقوبة أم للابتلاء ، إلا أننا نجزم بعدم حدوث ذلك إن شاء الله فلن تتكرر الدورة الزمنية مرة أخرى فإنه إذا ذهبت الجبرية فلا جبرية بعدها وإذا انقضى التيه فلا تيه بعده !!

فالحركة الإسلامية المعاصرة لم تتشكل في ظل ظروف صحية سليمة تتيح لها سلامة النمو وإنما رزحت تحت الجبرية مائة عام أو يزيدون ذاق فيها دعاتها وقادتها الأمرين فخرجت بهذا الوضع المزري والحالة السيئة وعليه قامت الثورات ـ وهي من قدر الله أيضاً ـ وقامت لإنهاء مرحلة الجبرية لا لابتدائها مرة أخرى ، وقامت والحركة معذورة فيها لما أصابها من بلاء وقد  أصابها أيضاً بقدر الله ؛ إما كعقوبة أو اصطفاء أو كليهما فقد انتهى عصر البلاء فعلياً واقتضت حكمة الله ألا يجمع عقوبتين للعبد على زلته ولا للأمة مرتين على تقصيرها ، فضلاً عن كونها معذورة مجبورة فيما هي فيه كنتيجة طبيعية لما قدره الله عليها ولها .

ولذا يعمل القدر هذه المرة على بقية معطياته لتتزن الكفة مرة أخرى وليمضي قدر الله تعالى ، ولذا فإنني أرى أن الخروج من الأزمة الحالية سيكون من خلال بقية عناصر الواقع غير الإسلامي نفسه بأن ينقلب بعضها على بعض ويأكل بعضها بعضاً بينما ستنهض الحركة الإسلامية في خلال ذلك وأثناءه خاصة مع انكسار رموز وسقوط كيانات كاملة في فضاء الفتنة وما بقي فهو مؤهل للترميم أو الإنشاء مرة أخرى بما يشكل مقدمة لمرحلة الخلافة الإسلامية المأمولة والمرتقبة . إذ كل ما يجري هو بقية تمحيص فلابد أن ينفي الصف خبثه وإلا فمن المحال أن تبلغ غايتها بدون ذلك .

كما لا ينبغي أن نغفل عن ترقب أخبار آخر الزمان والتي تشكل شواهداً وإرهاصات لعلاماتها الكبرى وأشراطها لا أنها هي نفسها وحقيقتها .

فمصر منبر مهدي آخر الزمان وسيكون فيها المصري وهو قبل العراقي والشامي ، ويكون فيها الأخنس سينهج على طريقة بعض الظلمة من بني أمية وهو سلطان يغلب على ملكه ويأتي بالروم إلى مصر فينزلون بالإسكندرية ثم يتبعه صاحب مصر وهو إمام شديد من أهل الإسلام منصور يقمع الله به الكفر وأهله وهو من يوطئ للمهدي عليه السلام، والسفياني الذي يخرب الشام من قبل العراق وهو في مقدمة المهدي وعصره .

وقد دنى أوان كل ذلك ، ورغم أن هذه الأخبار ضعيفة في أغلبها أي لم تبلغ مبلغ الصحة إلا أنها غير مكذوبة في أصلها وذلك أن الأولين كانوا أكثر عناية بأحاديث الأحكام والعقائد والعبادات .

 والله يقول الحق وهو يهدي السبيل


التعليقات