شبهات حول وفاة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم و رضاعه

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .

لكل أمر عند الله قَدر وحكمة .. ومن ذلك موت إبراهيم ابن النبي ، ولعل الحكمة منه هي حفظ الأمة من الافتتان به بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام.. والافتتان يكون من خلال عدة أمور:

فتنة المغالاة فيه:

عن المغيرة بن شعبة قال: انكسفت الشمس على عهد النبي يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم! فقال رسول الله : «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإن رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى تنجلي » البخاري ومسلم .فجاء قول النبي نافيًا أن تكون الشمس قد كسفت لموته.

الفتنة التي حدثت بعد موت النبي:

فيكون الافتتان من جهة تقديمه على غيره ممن يستحقون خلافة رسول الله ، ولعل قتل الحسين وهو ابن بنت النبي يؤكد هذا الأمر إذ لو كان إبراهيم حياً لما استطاع أن يكون بعيدا عن هذه الفتنة التي لم ينجُ منها أحد، فحفظ الله الأمة من أن يقتل فيها ابن نبيها ، ليصبح موت إبراهيم نجاة من بلاء لا تطيقه الأمة.

الفتنة بحقيقة وراثة النبوة التي كانت سائدة في بني إسرائيل حيث كانت النبوة عندهم بالوراثة

مثلما قال زكريا عليه السلام: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم : 5، 6].

ولو قدر أن يكون بعد محمد نبي عاش ابنه وورث النبوة مثلما حصل في بني إسرائيل.

ولكن موت إبراهيم كان دليلا على انقطاع النبوة؛ باعتبار أن وراثة النبوة في بني إسرائيل كانت هي الدليل على استمرار الأنبياء فيهم بعضهم من بعض، فأراد الله عز وجل أن يقطع أي شبهة حول ختم النبوة، وهي شبهة وراثة النبوة التي كانت لا تتطلب إلا إثبات النسب للنبي كما كان الأمر في بني إسرائيل.

والقول الذي قيل في إبراهيم بعد موته هو الدليل على احتمال هذه الفتنة: عن إسماعيل السدي قال: «سألت أنس بن مالك قال: قلت: صلى رسول الله على ابنه إبراهيم قال : لا أدري ، رحمة الله على إبراهيم ، لو عاش كان صديقاً نبياً» ([2]).

كما جاء قول ابن أبي أوفى حيث روى البخاري بإسناده إلى إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت لابن أبي أوفى: رأيت إبراهيم ابن النبي قال: «مات صغيراً، ولو قضى أن يكون بعد محمد نبي عاش ابنه ولكن لا نبي بعده» ([3])

ولذلك يقول ابن عبد البر في الاستيعاب «أنه لو كان عاش ابنه عليه الصلاة والسلام لغلا فيه الناس واتخذوه نبيًّا، مع ثبوت النص الصريح في كون رسول الله هو آخر الأنبياء والرسل وأنه لا نبي بعده..».

فيكون لموت إبراهيم حكمة مثل الحكمة من عدم تحديد من سيخلف النبي بعد موته بنص صريح؛ إذ لو كان هذا النص لكانت مخالفته خروج من الطاعة الواجبة لله ورسوله.

«وإذا كانت العلة من موت إبراهيم لحكمة متعلقة بالرسالة.. يكون موت إبراهيم لتتواصل حياته في الجنة وبنفس الحالة التي كان عليها في الدنيا، قال الحافظ رحمه الله : والمعنى تكمل رضاعه لأنه لما مات كان ابن ستة عشر شهرا أو ثمانية عشر شهرا على اختلاف الروايتين» ([4]).

وقال النووي بعد أن أورد قول رسول الله : «وإنه مات في الثدي وإن ظئرين تكملان رضاعه في الجنة» فترضعانه بقية السنتين فإنه تمام الرضاعة بنص القرآن.

قال صاحب التحرير: وهذا الإتمام لإرضاع إبراهيم رضي الله عنه يكون عقب موته، فيدخل الجنة متصلا بموته فيتم فيها رضاعه كرامة له ولأبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ا.هـ ([5]) .

وتكون المرضعة جزاءً وعزاءً للرسول. وتكون المرضعة أمرًا اختص به إبراهيم للدلالة على المعنى الخاص لموته.

وهذا المعنى هو تعلق موته بمصلحة الأمة، فيكون حكم موته هو حكم الشهداء الذين ماتوا في سبيل الله؛ حيث يحيون في الجنة بمجرد موتهم كما ورد في حديث كعب بن مالك أن رسولَ الله ? قال : «إنَّ أرْواحَ الشُّهَدَاءِ في حواصلِ طير خُضْر ، تَعْلُق من ثمر الجنة ، أو شجرِ الجنة» ([6]) أخرجه الترمذي.

الهوامش

([1]) الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم (3 /317).

([2]) أخرجه أحمد (3/ 133، 280-281) ، وابن سعد (1/ 140).

([3]) صحيح البخاري 4/80.

([4]) الفتح 10/708

([5]) شرح النووي على مسلم 15/62

([6]) جامع الأصول في أحاديث الرسول (9 / 498).


التعليقات