شبهة ملك اليمين

بسم الله الرحمن الرحيم مسألة ملك اليمين.

من أخطر آثار الحرب والقتال والحرب والقتال أمر واقع لم يستحدثه الإسلام وللحرب نتائج حتمية مضمونها محاولة قضاء طرف على طرف آخر (أمتين أو مجتمعين).وأن معنى محاولة القضاء على أي طرف هو إذابة المجتمع المنهزم في المجتمع المنتصر بكل أفراده رجالا ونساءً وأطفالا.

والتصور الإسلامي هو الذي يضمن معالجة هذه النتائج الحتمية للحروب والقتال وذلك في حال أن يكون الطرف المنتصر هو الطرف المسلم صاحب هذا التصور حيث يكون التعامل مع هذه النتائج بصورة إنسانية راقية؛ وبحيث يكون للطرف المسلم سلطانه الذي يحافظ به على مبادئه التي انتصر بها، ولها..

وذلك في ظل فترة استثنائية يعيش فيها أفراد المجتمع المنهزم كأثر لهزيمتهم- دون أن يفقدوا كرامتهم وإنسانيتهم؛ لتتوافق حياتهم في النهاية مع حياة حياة أفراد المجتمع المنتصر..

ولتعود بعدها الحالة الإجتماعية الطبيعية إليهم بصورتها الكاملة من خلال الأحكام الإسلامية المنظمة لتلك الفترة والمعالجة لمسائل الأسري وملك اليمين وهي من أخطر مسائل الأسرى لتعلقها بأسيرات الحرب حيث يكون الخطر الشديد على المجتمع المسلم إذا تُركن لأنفسهن وحيث تكون المسئولية الكاملة عنهن في المعالجة الكاملة لطبيعتهن وظروفهن فكانت أحكام “ملك اليمين ” التي تضمن حقوق النساء الخاضعات لهذه الحالة الاستثنائية، التي خلفتها الحرب.

وأول أحكام هذا التنظيم هي معاشرتهن ومعاشرة ملك اليمين لا يجب أن ينظر إليه على أنه مجرد تحقيق لرغبة من يملكها، ولكن هذه المعاشرة هي في الأصل حق طبيعي لأسري النساء «ملك اليمين». كضرورة غريزية طبيعية…وكمساعدة لها علي معايشة المرحلة النفسية الصعبة التي تعيشها بعد هزيمة قومها وفقد أهلها ووطنها وخصوصا أن المعاشرة لها أثر بالغ في نفسية المرأة يخفف بدرجة قوية من وطأة الحياة الصعبة التي تعيشها مما يجعلها قادرة علي تجاوز محنتها حيث تستمد مكانتها وإحساسها بذاتها بصفة مؤقتة من خلال إنتمائها الي وليها ومعاشرتها التي تكون هي في أمس الحاجة اليها باعتبارها في مرحلة فقدان لشعورها بذاتها والذي ترغب في معالجته بالإنتساب الي وليها ومعاشرتها حيث سيكون ذلك من أقوي أسباب شعورها بذاتها في ظروف الأسر ياعتبارها أشد ظروف فقدان الشعور بالذات ومن هنا يتقرر شرعا واجب معالجة هذه الظروف ومن هنا كان حكم الزني بالنسبة لملك اليمين هو نصف حد حكم الزني بالنسبة للحرة ليكون ذلك دليلا علي مراعاة ملك اليمين في تلك الظروف وبذلك يواجه نظام ملك اليمين أخطر الآثار الإنسانية للحروب وفي الوقت الذي يتحمل فيه النساء الخاضعات لنتائج الحروب غير الإسلامية الي فظائع وأهوال لا حد لها..

وفي الوقت الذي لم تدخل فيه هذه النتائج عند غير المسلمين حيز القواعد والنظام والإلتزام الإنساني والأخلاقي…ولا تحسب فيه هذه النتائج علي أصحاب هذه الحروب في هذا الوقت… ترفض الجاهلية أحكام ملك اليمين بل وتنتقد الشريعة الإسلامية التي تواجه المشكلة بأحكام ومسميات شرعية إبتداءا من مسمي ” ملك اليمين ” ومصطلح ملك اليمين في الإسلام لم ينشأ عن مشكلة أوجدها الإسلام، بل نشأ عن محاولة الإسلام معالجة مشكلة إنسانية موجودة أصلا حيث يثبت التاريخ البشري أن مرحلة مابعد الحروب كانت أشد وطأة من الحروب ذاتها ورغم ذلك أصبحت هذه المعالجة الإسلامية بأحكامها ومسمياتها إبتداءا من مسمي ” ملك اليمين “هي السبب المباشر في تحميل الناس للنظام الإسلامي مسئولية المشكلة من أساسها قبلت الجاهلية بكل نتائج الحروب وبسحق كرامة النساء وتحويلهن الي كتل لحمية لامكانة لها ولامكان ولا إسم لها ولاعنوان …

ورفضت المعالجة الإسلامي الإنساني الراقي لتلك النتائج حيث لاتخرج معالجة مشكلة ملك اليمين عن الأساس المحدد للعلاقة بين الرجال والحرائر من النساء بفارق واحد وهو المعاشرة بغير عقد ؛ وذلك أن العقد مع الحرة إنما يكون لملك بضعها ولكن ملك اليمين هي لوليها وبنفس الأحكام الشرعية التي تماثل -بصفة عامة- أحكام الزواج. فمعاشرة ملك اليمين لا تكون مشروعة إلابشرطها وألا يكون فيها مانع يقتضي تحريمها عليه، كأن تكون متزوجة، قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: (يحرم من الإماء ما يحرم من الحرائر) ([1]). حكم جارية الأب هو حكم زوجة الأب: وهو ما بوب له الأمام مالك في الموطأ النهي عن الجمع بين المرأة وابنتها: عن عُتبةَ بنِ مسْعُودٍ عَن أبِيه أنَّ عُمرَ بنَ الخَطَّاب نهى عن الجمع بين المرأة وابنتها من ملك اليمين ([2]).

النهي عن الجمع بين الأختين:

عن قبيصة بن ذؤيب أن رجلا سأل عثمان بن عفان عن الأختين من ملك اليمين: هل يجمع بينهما؟ فقال عثمان: ما كنتُ لأصنع ذلك، فخرج من عنده، فلقي رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن ذلك، فقال: لو كان إلي من الأمر شيء ثم وجدتُ أحدًا فعل ذلك لجعلته نكالا.

قال مالك: قال ابن شهاب: أراه علي بن أبي طالب. قال: وبلغني عن الزبير بن العوام نحو ذلك ([3]). حكم أم الولد: عن عبد الله بن عُمر أن عُمر بن الخطاب قال: أيما وليدةٍ ولدت من سيدها فإنهُ لا يبيعُها ولا يهبُها ولا يُورثُها وهُو يستمتعُ بها، فإذا مات فهي حُرَّةٌ ([4]). حكم من وطيء أمة ليست له: عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عُمر بن الخطاب قال لرجُلٍ خرج بجاريةٍ لامرأته معهُ في سفرٍ فأصابها، فغارت امرأتُهُ، فذكرت ذلك لعُمر بن الخطاب، فسألهُ عن ذلك؟ فقال: وهبتها لي. فقال عُمرُ: لتأتيني بالبينة أو لأرمينك بالحجارة، قال: فاعترفت امرأتُهُ أنها وهبتها لهُ ([5]).

النهي عن وطء ملك اليمين قبل استبراء الرحم:

لا يجوز للرجل أن يعاشر الأمَة إلا بعد أن تحيض حيضة يُعلم بها براءة رحمها من الحمل، فإن كانت حاملًا فعليه أن ينتظر حتى تضع حملها. عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم حنين: (لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره -يعني: إتيان الحبالى- ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأةٍ من السبي حتى يستبرئها) ولكن الجاهلية تقتطع قضايا الإسلام من واقعها الطبيعي فتناقش القضية بخلفية تاريخية مختلقة مصنوعة إعلاميا عن الجواري المملوكة والمهداة والمشتراة بالآلاف للسلاطين ..

مناقشة فيها خبث شديد بلغ مبلغه من جهلة المسلمين حتي فروا من قضاياهم وتنكروا لها خوفا من أن تحسب تلك الخلفية الخبيثة علي الإسلام والواقع الطبيعي لقضية ملك اليمين هو المعالجة الإنسانية لنتائج الحروب والنصوص الواردة في القضية هي المادة الوحيدة للمناقشة والتصور أما الواقع الطبيعي للمناقشة فهو الذي بلغ الأمر فيه أن تكون إحدي نساء ملك اليمين أما للمؤمنين وأن تكون سببا في إطلاق سراح قومها وهي جويرية بنت الحارث سنن أبى داود – (ج 11 / ص 443) 3933 – حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى أَبُو الأَصْبَغِ الْحَرَّانِىُّ حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ – يَعْنِى ابْنَ سَلَمَةَ – عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ فِى سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ أَوِ ابْنِ عَمٍّ لَهُ فَكَاتَبَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَكَانَتِ امْرَأَةً مَلاَّحَةً تَأْخُذُهَا الْعَيْنُ – قَالَتْ عَائِشَةُ رضى الله عنها – فَجَاءَتْ تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى كِتَابَتِهَا فَلَمَّا قَامَتْ عَلَى الْبَابِ فَرَأَيْتُهَا كَرِهْتُ مَكَانَهَا وَعَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ الَّذِى رَأَيْتُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ أَمْرِى مَا لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ وَإِنِّى وَقَعْتُ فِى سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَإِنِّى كَاتَبْتُ عَلَى نَفْسِى فَجِئْتُكَ أَسْأَلُكَ فِى كِتَابَتِى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَهَلْ لَكِ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ ». قَالَتْ وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « أُؤَدِّى عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ ». قَالَتْ قَدْ فَعَلْتُ قَالَتْ فَتَسَامَعَ – تَعْنِى النَّاسَ – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ فَأَرْسَلُوا مَا فِى أَيْدِيهِمْ مِنَ السَّبْىِ فَأَعْتَقُوهُمْ وَقَالُوا أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَمَا رَأَيْنَا امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا أُعْتِقَ فِى سَبَبِهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِى الْمُصْطَلِقِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا حُجَّةٌ فِى أَنَّ الْوَلِىَّ هُوَ يُزَوِّجُ نَفْسَهُ. والواقع الطبيعي لمناقشة القضية كتن آخر كلمة فيه هي آخر وصايا رسول الله صلي الله عليه وسلم للأمة قبل موته لتكون تلك الوصية الأخيرة هي عنوان المناقشة : “الصلاة، وما ملكت أيمانكم” (4) .

الهوامش

([1]) سنن البيهقي الكبرى (13707).

([2]) موطأ مالك (4/69).

([3]) تفسير ابن أبي حاتم (18/83)

([4]) موطأ مالك (5/114).


التعليقات