مابين الانسجام … و التخبط.

تتسم المناهج الأرضية بالتناقض و عدم الانسجام مع نفسها لأنها تعكس صورة العقل البشري المحدود و القاصر و نفسية الإنسان المتضاربة المذبذبة. بخلاف المنهج الإلهي المنسجم المحكم فهو من لدن حكيم عليم.

و من نماذج ذلك:

عند الليبرالية مثلا تجد التفريق بين الخمر و المخدرات , فتبيح الأولى مطلقا أو مع بعض الضوابط في حين أنها تجرم الثانية برغم اشتراكهما في إذهاب العقل و إتلاف البدن.

أما الديمقراطية و مبدأ التداول السلمي للسلطة فحديثها مضحك و عجيب. فقد ولدت في صورتها الحديثة من رحم ثورة (غير ديمقراطية) من أعنف ما يكون, دعت إلى شنق اخر ملك بأمعاء اخر قسيس. ثم روج لها و انتشرت بوسائل (غير ديمقراطية ), فدخلت اليابان مع قنابل هيروشيما و ناجازاكي , و دخلت الجزائر على جثث مليون شهيد و بمعسكرات التعذيب الفرنسية, و حلت في العراق بأسلوب الصدمة و الرعب.
أما إذا أرادت الديمقراطية حماية نفسها فإنه تلجأ إلى أساليب (غير ديمقراطية) تحت ستار قوانين استثنائية, تتنكر فيها لمبادئها و تتناسى قيمها. و عندنا صور صارخة لقمع المتظاهرين و تجريم الفكر و تقييد الحريات في أعرق الديمقراطيات و أقواها.
و تجربة الانتخابات الجزائرية في 1990, و أحداث وول ستريت في امريكا بل و الانقلاب العسكري على د مرسي في مصر خير شاهد.

و حين تتناقض الديمقراطية و تضطر إلى تعطيل نفسها ذاتيا عند الحاجة لحماية وجودها, أو في مرحلة التبشير و الانتشار أو ما نعبر عنه بشكل أوضح بفرض الديمقراطية,فإنه على الجهة الأخرى نجد الإسلام (الرباني) تكمن مقومات الحماية فيه داخليا, و كذلك وسائل التبشير و الانتشار تنبع من داخله و من صلب تعاليمه في توافق و تناغم مع المنهج و الأصول و الرسالة التي يقدمها, و تصوره للحياة و الإنسان و دوره في الوجود.

فلا يحتاج الإسلام إلى اليات خارجة عن سياقه, ولا ناشزة عن إيقاعه, إنما تنبثق هذه الاليات الداخلية منه لتترجم المبادئ التي قام على أساسها, و تصوغ أحكاما تستند على أصوله المحكمة.
فالدعوة بالموعظة الحسنة, و الجدال بالحجة, و جهاد الدفع, و مباحث أبواب الأحكام السلطانية و فقه الإمامة, و أحكام الردة كلها أحكام شرعية من صميم الدين تمثل نماذج لهذه الاليات.
و لو تأملنا مثلا أحد اليات التبشير للمنهج و نشره و هو جهاد الطلب , نجده متوافق مع أصول الإسلام و تصوره للحياة و أهدافه الكبرى و الرسالة التي جاء ليقدمها للبشرية.
فالإسلام يقوم على توحيد الله و افراده بالعبودية, و يرى أن الإنسان وجد على الأرض ليعمرها على مراد الله و نهجه و يكون “خليفة له فيها”, و يؤمن “أن الأرض لله ” “يرثها عباده الصالحين “, و يهدف إلى تعبيد الأرض لله و أن يكون السلطان له في الأرض, و يسعى لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله و حده, و من جور الأديان إلى عدل الإسلام, ومن ضيق الدنيا إلى سعة الاخرة.
فاستيلاء أولياء الله و جنوده على بلاد و أموال غيرهم من الأمم ليس هو اعتداء على أرض الغير و ممتلكاته, إنما هو استيلاء على مال الله الذي أحله للمؤمنين ليؤدوا فيه مراده سبحانه, وهو أفاءهم اياه لأن المالك الحقيقي للمال هو الله و الأرض له يورثها من يشاء من عباده, كما أن إخضاعهم لسلطان الله, و تحطيم طواغيت الكفر التي تصد الناس عن الإيمان هو السبيل لإخراج الناس من العبوديات الباطلة إلى عبادة الخالق, و الأساس الذي لا يقام العدل و القسط إلا به.


التعليقات