ولكن الله رمى…!!

إنه تدبير الحق تبارك وتعالى عند صدق اللّجأ له، وتفويضه، والتسليم لمراده إذا عجزت عقولنا عن دَرْك الماهيات والماورائيات، مع الأخذ بالأسباب الظاهرة، حتى وإن كانت في حقيقتها لا تحقق المراد، فإن الله (يسوق) الأغيار لخطة لا تدركها عقولنا، حتى وإن كان على غير مرادنا، ويسوق المكلف ذاته إلى اتخاذ القرار الذي يؤدي في النهاية إلى بعده عن مواطن الأذى إذا كان لا يستطيع اتخاذ (القرار) لأسباب (مُؤَنْسَنَة)، قد لا يكون له قُدرة على الفِكاك منها (إراديًا)، فيسوق الحق تبارك وتعالى الأسباب، ويُقَدّرها ليكشف البواطن: (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم)، وقال: (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا!! ساء ما يحكمون).

فهي أسباب متراكبة من أجلك يا من فوضتَ أمرك لله، وقلتَ دائمًا: اللهم دبّرْ لي؛ فإني لا أُحسن التدبير!! وإذا دبّر رب الأسباب فلا تعقيب، فإنما هي (أفعاله) التي جاءتْ لضبط مُرادك، وإنْ خالفت ظاهر مُرادك!!

فلابد أن تأتي الفتنة والابتلاء لتكشف عن المكنون، وأن التوبة والإياب صادق أم كاذب (ولقد فتنا الذين من قبلهم، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)، فالكشف والفضيحة سنة كونية (مستمرة) من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل.

(ولكن الله رمى)!! نعم رمى..

رمى بالرغم من أنك أنت من (رميت) في الظاهر، لكن الحقيقة هي (رمية) الحق، والرمي قد يكون (إيجابيا) بفعل السبب، وقد يكون (سلبيا) بالامتناع عن إتيانه، فيرمي الله يد الأغيار بما تعجز عن إتيانه إيجابيا بفعلك السلبي بالامتناع عن الفعل، ويسوق السبب للغير في وقت (معين) ليتخذ القرار الذي يظن أنه في (صالحه)، وأنه (مُخْتار) له، لكنه في الحقيقة (مُساق) له لخدمة صاحب الفعل السلبي، ومُساق أيضا صاحب السبب والمحرِّك الذي هيأ السبب الأخير للمُساق!

فهي أسباب متراكبة من أجلك يا من فوضتَ أمرك لله، وقلتَ دائمًا: اللهم دبّرْ لي؛ فإني لا أُحسن التدبير!! وإذا دبّر رب الأسباب فلا تعقيب، فإنما هي (أفعاله) التي جاءتْ لضبط مُرادك، وإنْ خالفت ظاهر مُرادك!!

فالله (رمى) لمقام (التفويض)، ويكمله مقام (الرضا) بتقديره، فيترقّى العبد بين مقامات العبودية، فتنصلح بها (دنياه)، ويفوز في (أخراه)!


التعليقات