قوني، واستقوَ بي..!!

عملتُ منذ فترة طويلة في أحد الشركات التي تعمل في مجال الأبحاث الشرعية وتحقيق التراث وإدارة المواقع الإلكترونية الإسلامية، ووجدتُ على رأس العمل أخ فاضل، لكني كنتُ ألاحظ تردده في الموافقة على عملي رئيسا لقسم الفقه، وبعد فترة عملتُ معه، وتوطدت علاقتنا، وفي أحد جلسات المصارحة بيني وبينه قال لي سؤالا مفاجئا:

هو: وما الذي يجعلني لا أخشى منك على منصبي في الشركة؟ يعني إيه اللي يخليني أوافق على عملك معنا رئيسا للقسم، أو أوصي بعدم تعيينك في الشركة؟

أصابني للحظة الذهول من مقدار المصارحة في السؤال، وعن الرد المناسب على هذا (المطب)..

فقلت له: يمنعك من ذلك أمران ..

هو: وما هما؟

أنا: الأول: دينك، فدينك يمنعك من أن تشهد شهادة الزور في أني لا أستحق هذا المنصب، فإذا كنت ترى أنني لا أستحقه فافعل أكن لك من الشاكرين..

هو – مبتسما -: والثاني؟

أنا: الثاني: أنك باحث (شاطر) مجتهد، والشاطر يزيد باختياره للعناصر المجتهدة الجيدة، لثقته في نفسه، وتزداد قوته بقوة الفريق الذي يعمل معه…..

إن التيار الإسلامي يحتاج أن يتعامل فيه كل طرف مع الطرف الآخر بمبدأ (قوني واستقوَ بي)، الذي تفرزه المصلحة العليا للتيار ككل…

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لم تقم أمريكا بالانقضاض على حلفائها السابقين، أو التي (افتقرت) نتيجة هذه الحرب، وصنفت بوضوح من هم حلفائها الحقيقيين، ومن هم الحلفاء المؤقتين، فاعتبرت أن أوروبا حليفها الاستراتيجي الدائم، والروس حلفاء مؤقتين، بالرغم من أن كلا الطرفين مرشح لمنافسة أمريكا في زعامة العالم، لكنها آثرت أن تقوي أوروبا، وتعيد إعمارها، تقويها، وتستقوي بها، ولا تضع أمر المنافسة إلا في قدره، ولا يقف عائقا أمام مصلحتها في الاستقواء بحلفائها في أوروبا …

إنها سياسة المصلحة المبنية على مقدمات ونتائج عقلية ومنطقية…

إن التيار الإسلامي يحتاج أن يتعامل فيه كل طرف مع الطرف الآخر بمبدأ (قوني واستقوَ بي)، الذي تفرزه المصلحة العليا للتيار ككل، فضلا عن أصل آخر تفتقره علاقة أمريكا بأوروبا، وهو أصل الأخوة الإسلامية، وما ينتج عنه من قواعد أخلاقية وفقهية، مع عدم وضع أهداف (مثالية) عالية قد لا تتحقق آنيا، أو لا تكون مناسبة في هذه المرحلة، فوضع الأهداف الكبرى كشرط للبدء في التعامل قد يكون في ذاته صادا عن التقدم نحو هذا الهدف، فبعض الأطراف أو الأفراد يشترط للبدء في التعاون الاندماج التام بين الأطراف أو صهرها تماما قبل البدء في أي صورة من صور التعاون بينها، وتكون النتيجة (مَكْلَمة) في وحدة الأمة، والأخوة بين أفرادها، وينتهي الأمر برجوع كل طرف إلى قواعده سالما غير غانم!!


التعليقات