أسطورة ضابط الصاعقة هشام عشماوي

عاد اسم “هشام عشماوي” للسطح مجددا عقب وقوع مجزرة غير مسبوقة لنخبة عناصر الشرطة المصرية في طريق الواحات البحرية بالصحراء الغربية، قتل خلالها ١٢ ضابطا على الأقل من بينهم ٦ ضباط من جهاز الأمن الوطني. وهو عدد من القتلى لم يسقط من قبل في أي حادث عبر تاريخ جهاز الأمن السياسي المصري منذ تأسيسه عام ١٩١٠ حتى اليوم.

عقب تداول أخبار الحادث سارعت وسائل الإعلام إلى الإشارة بأصابع الاتهام نحو “عشماوي” وهو أمر صار معتادا عقب أي عملية كبيرة تحدث ضد عناصر الجيش والشرطة والشخصيات البارزة في مصر. فقد سبق اتهام “عشماوي من قبل الصحف والخبراء الأمنيين بالضلوع في حادث اغتيال النائب العام “هشام بركات” منتصف عام ٢٠١٥، كما اُتهم بالضلوع قبلها في تنفيذ الهجوم الضخم على المربع الأمني بمدينة العريش مطلع عام ٢٠١٥، والذي تم خلاله استهداف مقر الكتيبة ١٠١ حرس حدود، ومبنى مديرية أمن شمال سيناء، ومقر جهاز الأمن الوطني بالمحافظة مما أسفر عن مصرع ٣٠ عنصرا من أفراد الجيش والشرطة.

الطريف أن التحقيقات في حادث اغتيال النائب العام أثبتت عدم علاقة عشماوي بالحادث من قريب ولا بعيد، كما أن هجوم العريش المذكور نفذته ولاية سيناء التابعة لتنظيم الدولة، وهو تنظيم لا علاقة له بعشماوي. فما السبب إذا في ذيوع صيت “هشام عشماوي”؟  بل والسؤال قبل ذلك من هو “هشام عشماوي”؟

بعيدا عن الفبركات الصحفية والأخبار الوهمية عن الرجل، فإن الثابت عنه أنه “هشام على عشماوي” مواليد عام 1979، من سكان الحي العاشر بمدينة نصر، متزوج من دكتورة جامعية، وتدرج في الخدمة العسكرية إلى أن وصل إلى رتبة رائد بسلاح الصاعقة، وهي الرتبة التي خرج منها للمعاش عام ٢٠١٢ على خلفية أسباب طبية لا كما تتداول الكثير من الصحف أنه خرج مفصولا من الخدمة. وهو المتهم التاسع في قضية أنصار بيت المقدس (٤٢٣/٢٠١٣) حصر أمن دولة عليا.

خرج هشام من الخدمة ليبدأ رحلته في عالم الجماعات الجهادية، وليعمل رفقه زميليه “عماد عبد الحميد” و”وليد بدر” ضمن صفوف جماعة أنصار بيت المقدس، أما “عماد” فهو نقيب بسلاح الصاعقة من الاسكندرية أحيل للعمل المدني بقرار جمهوري لدواعي أمنية إثر اعتناقه للفكر الجهادي، وهو المتهم العاشر في قضية أنصار بيت المقدس، بينما “وليد” رائد خدم بالشئون الإدارية بالجيش، من مركز قويسنا بمحافظة المنوفية، وفُصَل من الخدمة العسكرية عام ٢٠٠٥ لميوله الدينية، وشارك بالقتال في أفغانستان والشام.

دشن الضباط الثلاثة معا أولى أبرز عمليات جماعة الأنصار، حيث شارك هشام وعماد بالتخطيط، بينما استهدف “وليد بدر” بسيارته المفخخة موكب وزير الداخلية اللواء “محمد ابراهيم” في سبتمبر ٢٠١٣ عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة بشهر واحد، وبثت الجماعة في إصدارها (غزوة الثأر لمسلمي مصر) فيديو للعملية ووصية لمنفذها.

 كما خطط “هشام عشماوي” لاقتحام فيلا ضابط الأمن الوطني السابق ومساعد وزير الداخلية لقطاع التدريب الحالي “اللواء هشام وهدان” بالتجمع الخامس لاغتياله، ولكن حال وجود كمين للقوات المسلحة بالقرب من منزله من تنفيذ العملية.
ثم في مارس ٢٠١٤ تولى “هشام عشماوي” مسؤولية خلايا جماعة أنصار بيت المقدس بالوادي (أي خارج سيناء) عقب مقتل المسؤول السابق “محمد الطوخي” في القاهرة على يد قوات الأمن. وإثر ذلك تحول عشماوي بخلايا الجماعة التابعة له من العمل الأمني بالمدن إلى العمل العسكري تجنبا لتساقط المزيد من عناصر الجماعة في قبضة قوات الأمن بالمدن.

اعتمد عشماوي تأسيس معسكرات للجماعة في المناطق الصحراوية، كما قرر فتح جبهة جديدة بالصحراء الغربية ضد نظام السيسي لتخفيف الضغط عن الجماعة في سيناء والقاهرة الكبرى، وأثناء الإعداد لذلك حدث اشتباك مطلع يونيو ٢٠١٤ بين مجموعة من الجماعة ودورية جيش بالفرافرة قتُل خلاله ٥ من عناصر الجيش، ثم أسس “عشماوي” لاحقا معسكرا بالواحات بلغ عدد المتواجدين به ٤٠ عنصرا. ومن ثم شنوا انطلاقا من المعسكر عملياتهم، فهاجموا سرية تابعة لحرس الحدود بالفرافرة وأبادوها بالكامل في يوليو ٢٠١٤. واعترف المتحدث العسكري للقوات المسلحة آنذاك بمقتل ٢٢ من عناصر الجيش. وأصيب “هشام” في الحادث وغادر إلى ليبيا للعلاج مع بعض رفاقه تمهيدا للعودة مجددا إلى مصر. وعقب ذلك الحادث اكتسب “هشام عشماوي” شهرته الأسطورية، فهو أول حادث من نوعه تباد فيه وحدة عسكرية مصرية داخل البلاد على يد تنظيمات جهادية.

نوهت جماعة أنصار بيت المقدس لاحقا في إصدار نشرته في أغسطس٢٠١٤ بعنوان “أيها الجندي” إلى أنها ستنشر فيديو لهجوم الفرافرة تحت عنوان “صولة الأنصار” ولكنها نشرت بدلا من ذلك في نوفمبر ٢٠١٤ عقب مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية فيديو لعمليات أخرى بعنوان “صولة الأنصار- ولاية سيناء”. وتبين أن القائد العسكري المشرف على تنفيذ عملية الفرافرة “هشام عشماوي” غير راض عن مبايعة تنظيم الدولة. وأن إعلان البيعة أدى إلى انشقاق خلايا الجماعة بالوادي إلى مجموعتين الأولى وافقت على المبايعة وقادها “أشرف الغرابلي” والثانية رفضت المبايعة بقيادة “هشام عشماوي”.

ولم تمر إلا مدة يسيرة ثم أعُلن عبر منتدى “شبكة الفداء الإسلامية” عن تأسيس جماعة جديدة تحت اسم “المرابطين” عقب شهرين من إعلان تأسيس ولاية سيناء ثم ظهر لاحقا “هشام عشماوي ” لأول مرة بنفسه في رسالة صوتية بعنوان (ويومئذ يفرح المؤمنون) بتاريخ ٢١/٧/٢٠١٥ معلنا فيها عن نفسه كأمير لجماعة “المرابطين” مع تضمين الشريط مقدمة من كلمة لأيمن الظواهري في إشارة ضمنية إلى ولاء المرابطين للقاعدة لا لتنظيم الدولة.

وفي عام ٢٠١٥ نشر بعض عناصر تنظيم الدولة الإسلامية بليبيا صورة عشماوي تحت عنوان (مطلوب للقتل) متهمين إياه بقتالهم في مدينة درنة ضمن ما وصفوها بصحوات الردة، وزاعمين أن لعشماوي علاقة بالجزائري “خالد أبو العباس” الشهير بمختار بلمختار زعيم حركة المرابطين الموالية للقاعدة والناشطة في الجزائر وليبيا.

لم تتبن جماعة المرابطين التي يتزعمها عشماوي منذ تأسيسها حتى اليوم المسئولية عن أي عمليات بمصر، واقتصر نشاطها الإعلامي على بث إصدارات صوتية ومحاضرات دعوية ومنهجية لبعض قادتها.

مما سبق يتبين أن الشهرة الواسعة التي اكتسبها عشماوي من العمليات العسكرية والأمنية التي أشرف على تنفيذها أثناء نشاطه ضمن صفوف جماعة (أنصار بيت المقدس) هي السبب في استدعاء اسمه لواجهة المشهد عقب أي عمليات عسكرية كبيرة أو حوادث اغتيال لشخصيات بارزة، حتى وإن ثبت عدم علاقته بتلك الحوادث لاحقا. بينما عمليا لا تعد جماعة المرابطين لاعبا فاعلا في المشهد الجهادي بمصر حتى الآن، ولكنها تمثل شبحا مخيفا لنظام السيسي باعتبار هوية زعيمها وعملياته السابقة.


التعليقات