هل تتحول مصر لصومال جديدة؟

في نقاش دار مع أحد الزملاء في السجن لتقييم الظروف آنذاك عام ٢٠١٥ واحتمالات تطورها، وقد كان هذا الزميل صاحب تجربة وعقل راجح وعاصر أحداث الصومال، فتوقع أن تدخل مصر لمرحلة التفكك المجتمعي وانهيار الدولة مثل الصومال، إذ بدأت التطورات هناك قبل انهيار الدولة بعشر سنوات باتساع نطاق حوادث القتل الجماعي، وتعود الناس على الدماء، فصارت حوادث القتل أمر روتيني، وبدأ الناس يلتفون حول مكوناتهم الأولية كقبائل ومناطق وجماعات وعصابات… ونظروا لمؤسسات الدولة أنها عبارة عن عصابات مسلحة تسعى لتحقيق مصالحها بقوة السلاح، ومن ثم بدأ الناس في تحصيل مصالحهم بالقوة، ثم واجهوا العصابات الحاكمة، ودخلت البلاد في دوامة من الانهيار الأمني والعسكري والاقتصادي والسياسي.

فإن الأوضاع تتجه نحو مزيد من التصعيد والتفكك المجتمعي والتدهور الاقتصادي والانهيار الأمني، إذ فقدت مؤسسات الدولة مشروعيتها وصارت تتعامل جهارا عيانا باسلوب المليشيات فتختطف وتصفي دون محاكمة، وتقيم محاكمات صورية في حالات أخرى بواسطة قضاة مأجورين، وتفرط في الحقوق السيادية للدولة مقابل الأموال..

وكان رأيه أن ما يحدث في مصر شئ شبيه بما حدث في الصومال في بداية أزمتها، بدءا من المجازر الجماعية في محمد محمود ومجلس الوزراء واستاد بورسعيد والعباسية، ثم مجازر رابعة والنهضة وأخواتهما في معظم محافظات الجمهورية عقب مرحلة من الشحن المجتمعي الممنهج عبر عنه بجلاء المأفون علي الحجار في أغنيته (أنتوا شعب وإحنا شعب.. لينا رب وليكوا رب).

وباستمرار مؤسسات الدولة في دعم الانقلاب وما تلاه من جرائم سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية وسيادية فقدت وتفقد تلك المؤسسات مشروعيتها في حس قطاعات واسعة… لذا ظهرت ردات الفعل المقابلة بإبادة وحدات عسكرية في سيناء والفرافرة، واستهداف المئات من أفراد الجيش والشرطة والقضاة، وتكوين جماعات متعددة تناهض الوضع القائم بالقوة، فيرد النظام بمزيد من القمع والاجرام، وبالمقابل ترد الجماعات والمجموعات على ما يقوم به النظام.

هذه الرؤية كنت أتأملها ولا أرجح وقوعها نظرا لمركزية الدولة وقوة سيطرتها وضعف العصبيات القبائلية وإن كانت رؤية لها وجاهة.

ثم بدأت أشاهد في سيناء مؤخرا استعانة النظام ببعض المجموعات من أفراد القبائل وتسليحهم للتصدي لهجمات المسلحين، وهو إقرار ضمني بفشل الجيش والشرطة في السيطرة على الأوضاع هناك، فرد تنظيم الدولة باستهداف واسع للنصارى في سعي لإيلام النظام وتأجيج الحالة الطائفية، فبدأت الداخلية في تدريب شباب النصارى على حماية الكنائس.

ومن ثم فإن الأوضاع تتجه نحو مزيد من التصعيد والتفكك المجتمعي والتدهور الاقتصادي والانهيار الأمني، إذ فقدت مؤسسات الدولة مشروعيتها وصارت تتعامل جهارا عيانا باسلوب المليشيات فتختطف وتصفي دون محاكمة، وتقيم محاكمات صورية في حالات أخرى بواسطة قضاة مأجورين، وتفرط في الحقوق السيادية للدولة مقابل الأموال، وتستأثر فئات محدودة بثروات البلاد وخيراتها، فهل نصل إلى المرحلة الصومالية في ظل الشح المائي المنتظر؟! أم يُتدارك الأمر قبل فوات الأوان؟


التعليقات