المبادئ أو المناورة ؟!

مأزق معاصر تعانيه الحركة الإسلامية خاصة بجميع طوائفها، يتمثل في تنازعها بين وجوب الاعتصام في معبد الثوابت والمبادئ دون تزحزح؛ وهو ما يعني قدرا من الانغلاق والانعزال وربما الجمود والتحوصل، وبين محاولة مجاراة او مدارة أو مناورة الواقع العاتي، مما يعني موائمات أو مرونة وسيولة في مواجهته، وبالضرورة قد يعني تغييب تلكم الثوابت المنهجية ولو من واجهة الصراع أو خط المواجهة، رغم كونها في نفسها ولو باسمها أو رسمها؛ أحد أهم أسلحة هذا الصراع وعوامل النصر فيه ..

حالة التمزق هذه والتي لا تنبي بخير كانت نتائجها دائماً لصالح التمزق والتشظي أو التحليق بعيداً إلى حيث فضاءات اللاعودة المطلقة ..

وخطير فيها أيضاً عند الملاحظة؛ استحالة المناورة بهذا المسلك، والذي غالباً ما يفشله تربص القوى المعادية اليقظة تجاه أية محاولة للالتفاف أو الاختراق، وتوجس القوى الموالية وقاعدتها الجماهيرية من تمييع لغة الخطاب او اتخاذ وسطيات المداهنة أو دعة الركون، وهذا على صعيد الخطاب الإعلامي والسياسي مبدئياً؛ مما يجعل ارتقائه إلى مستوى المناورة الحركية ضرباً من المستحيل ..

كل ذلك غالباً ما يلجئ القوى العاقلة بطرفيها إلى سلوك درب الهلاك وسبيل البوار، فالاولى عاقلة في محراب المبادئ وقد حرقتها حقب السنين في الاستضعاف والقلة والفتنة المستذلة، فتقتحم ولو أن يهلك منها الجيل بعد الجيل دون رصيد واضح يؤذن بنصر هذه المبادئ التي أطلقت عقالهم ..

وأما الثانية فعاقلة في ميدان المناورة والتي لا تكون مناورة إلا استعداداً لعدوة ووثبة، يقطعها الرصد وتفسدها الغفلة فتصير هزيمة ولو في رداء هدنة وغالباً ما تنتهي بالخضوع للعدو والانحناء أمامه والاغتراب عن الثوابت؛ تلك التي اهلكت عقلاء الأوابين في محرابها، وأخذت بخناق المناورين من أجلها ..

وأخطر مما بين المقامرة والمناورة هو تشوش أو تشوه وعي الجماهير؛ ليس فقط بعدم وجود وحدة ولو نظرية في طرح النظرية السياسية الإسلامية، وإنما بتنازعها وتضاربها ومأساوية نتائجها كذلك، فالأولى نموذج حي للمصادمة والسلة وتقديم المبادئ كجلمود تنتطح فيه القرون وتتكسر عليه المبادى وما المبادئ إلا أصحابها، والثانية هي نموذج للمداهنة وتميع الجامد وقابلية المبادئ للانحناء والتثني في وعي الجماهير المستغفلة والمستضعفة ..

وما هذا إلا بعض إرث ثقافة الضدية تراها في تصوراتهم ومسالكهم وحتى عناوين مقالاتهم وكتبهم ومحتوى رؤسهم، فهم بين النقيض ونقيضه والرأي ونقيده، كقولهم بين الاصالة والمعاصرة وكأن لا مشترك بينهما ألبتة، في إكراه واضح على المفاضلة بينهما وطرح إحدهما بالكلية ولقطع الطريق على اية محاولة واعية لبلورة نظرية جامعة ..

أحجية أعيت الراوي ليرويها إذن، وموجبة لطرح جديد للنظرية السياسية الإسلامية المعاصرة؛ لا أقول ينهي الفتنة الفكرية فقط، ولا الصراع الميداني فحسب؛ بقدر ما يكفل إيجاد حالة عامة من التناغم التي تتيح للمجموعات الدافقة في وريد الامة قدراً من التنسيق والاندفاع نحو الامام بدلاً من حالة التعجيز الذاتي والنهر الأعمى أي الذي لا نهاية له بقدر ما يصطدم بجبل يرده إلى الوراء ..


التعليقات