وبك خاصمت

إن جماهير العباد ، وأرباب الإجتهاد ، طلاب المنازل العلا ، ومقامات أئمة الهدى ؛ كثير ما يخطئون قصدهم ويقعون في عكس مرادهم .

إن من ضحايا إبليس من يعده الناس في نظرهم قديس .. إن ضحايا إبليس ليسوا فقط من هم في الملاهي والحانات بل كثير منهم في الصوامع والجوامع بللوا اللحى والمدامع .

من هؤلاء من شغلهم حركات السجود والركوع عن حقيقة الحب والخضوع ، فلم تحيا قلوبهم و تلهج ألسنتهم وتتحرك جوارحهم بأعظم عباره .. ألا وهي الخصام في الله وبالله .

” اللهم لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، إليك آمنت ، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، أنت الهي لا اله الا انت . ”

لا يكون التوسل الا بأشرف العبادات وأحب الطاعات . واذا كان النبي -صل الله عليه وسلم -هو أعلم الناس بالله ، وأعلمهم بدينه ، وأعلمهم بما يحبه الله من أعمال ، وما يتقرب إليه من الأقوال .

فإن كان النبي – صل الله عليه وسلم – توسل بشئ من الأعمال الصالحه الى ربه فلا يدل الا على شرف هذا العمل وعظم قدره عند الله .

هذا هو دين سيد المرسلين وخاتم النبيين ، وحزب الله المؤمنين ، لا دين البطالين القاعدين .

هذه هي صفة الحواريين ، وسيما الموحدين ، وظيفة المرسلين . ” ولقد بعثتك لأبتليك وأبتلي بك … ” .

” قاتل من عصاك بمن أطاعك ” .

هذه هي عبودية خواص العارفين كما سماها ابن القيم : ” فهو في هذه العقبه قد لبس لأمة الحرب، وأخذ في محاربة العدو لله وبالله . فعبوديته فيها عبودية خواص العارفين وهي تسمى ” عبودية المراغمه ” ولا ينتبه لها الا أولو البصائر التامه ، ولا شئ أحب الى الله من مراغمة وليه لعدوه واغاظته له ” .

” فمغايظة الكفار غاية محبوبة للرب ، مطلوبة له ، فموافقته فيها من كمال العبودية ” .

” فمن تعبد لله بمراغمة عدوه فقد أخذ من الصديقيه بسهم وافر . وعلى قدر محبة العبد لربه ، وموالاته ومعاداته لعدوه ، يكون نصيبه من هذه المراغمه . ”

وهذا الباب من العبوديه لا يعرفه الا القليل من الناس ، ومن ذاق طعمه ولذته بكى على أيامه الأول . ”
لقد وردت رؤى لبعض اخواننا ممن قضو نحسبهم من الشهداء وقد عاشوا حياتهم يراغمون الطواغيت .
( أحمد الرفاعي – رحمه الله – استشهد في أحداث العباسيه ) .

قد رآه صاحب له وقد أكرمه الله من فضله ، فلما سئل عن حاله قال : ” أكرمنا الله بمدافعتنا وجلادنا للظالمين ”

فالمؤمن الحق لا يعرف دنيا بلا إيمان ، ولا حياة بدون جهاد .

كما أن المؤمن الحق الذي بلغ أشرف مقامات العبوديه ، واعلاها وذروة سنامها ، هو أولى الناس بما دونها من مقامات وما سواها من منازل المكرمات ..


التعليقات