صاحب الظلال .. سيد قطب

يرجى ملاحظة أن هذه المقالة من المقالات القديمة التي لا يتطابق تاريخ نشرها على الموقع مع تاريخ نشرها الفعلي

” إن كلماتنا ستبقى ميتة أعراسًا من الشموع لا حراك فيها جامدة حتى إذا متنا من أجلها انتفضت حية وعاشت بين الأحياء”

وبالفعل مازالت كلمات الشهيد (بإذن الله) سيد قطب حية حتى الأن، توعّي العقل، تنير الدرب، توجه القلب لوحدانية الرب. سيد قطب الشهيد الذي هز قلمه عروش الطغاة، فظنوا في إعدامه راحتهم، ولأن الأفكار لا تموت بموت صاحبها، ظلت أفكاره وكتبه تؤرق كل طاغوت فيطاردوا معتنقيها ويتهموهم بالتكفير و التطرف.

“فهو شهيد لا إله إلا الله عليها عاش ومن أجلها مات و عليها يبعث إن شاء الله”

نشأته وحياته:

هو سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي، ولد في 9 / 10 / 1906 بمحافظة أسيوط قرية موشا. تلقّى دراسته الابتدائية في قريته وحفظ القرآن الكريم. لم يكن سيد قطب طفلاً عاديا فعندما كان بالعاشرة من عمره كان محافظاً على الصلوات الخمس في المسجد ويجلس إلى الساعة العاشرة هناك بينما الأطفال يلهون ويلعبون، كما اتصف بالشجاعة لما دافع عن الفتيات في المرحلة الابتدائية ضد الفتيان الذين يضايقونهن في المدرسة.

كان ضعيف البنية، عانى طوال حياته من مرض خطير في الرئة؛ حيث كان يعيش برئة واحده فقط، ومع مرور الوقت تدهورت حالة الصحية بسبب الاعتقال وما لاقاه من تعذيب بداخل المعتقل.
سافر إلى القاهرة في سنة 1920، والتحق بمدرسة المعلمين الأوّلية ونال منها شهادة الكفاءة للتعليم الأوّلي. ثم التحق بتجهيزية دار العلوم. في سنة 1932 حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب من كلية دار العلوم. وعمل مدرسا ثم شغل عدة وظائف في الوزارة، حصل سيد على بعثة للولايات المتحدة في 3 نوفمبر 1948 م من وزارة المعارف، لدراسة التربية وأصول المناهج وكان يكتب المقالات المختلفة عن الحياة في أمريكا قال في أحد المقالات عنها:

“شعب يبلغ في عالم العلم والعمل قمة النمو والارتقاء بينما هو في عالم الشعور والسلوك بدائي لم يفارق مدارج البشرية الأولى بل أقل من بدائي في بعض نواحي الشعور والسلوك”

تدرجه الفكري:

تأثر سيد بعدة مدارس فكرية لكن الفكر الإسلامي التقى مع فطرته السليمة فأضاء بصيرته وظل يدافع عن فكرته حتى سقاها بدمه الطاهر؛ التحق بحزب الوفد وتعرف فيه على العقاد وآخرين، و تولد بيه بين العقاد علاقة قوية ثم ترك الحزب وانضم بعدها إلى حزب السعديين – نسبة إلى سعد زغلول – لكنه ملّ من الأحزاب ورجالها وعلل موقفه هذا قائلاً:

“لم أعد أرى في حزب من هذه الأحزاب ما يستحق عناء الحماسة له والعمل من أجله”

علاقته بالإخوان:

كان سيد أديبا منذ صغره فقد بدأ بنشر نتاجه وهو لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره. وقد نشر أولى مقالاته في صحيفة “البلاغ” و”الحياة الجديدة” و”الأسبوع” و”الأهرام” و”الجهاد” وصحف تابعة للإخوان المسلمين ولكنه لم يكن عضوا في الجماعة، وكان على علاقة جيدة بهم، في عام 1953 استدعاه الهالك عبد الناصر ليسأله عن علاقته بالإخوان فأجابه بكل عزة أنا واحدٌ منهم. ويحكي احد أعضاء الإخوان في برنامج إسلاميون على قناة الجزيرة عن دور سيد قطب في الجماعة فيقول أن اغلب قيادات الجماعة تم اعتقالهم في ذلك الوقت وتكونت عدة خلايا شبابية، فوجد الشباب في سيد مرجعا فكريا فأخذوا يستشيروه لكنه لم يكن يعرف أي شيء عن الجماعة تنظيميا.

اتجاهه الإسلامي:

كان دائم التأكيد على أن الصراع عقدي بامتياز وأنه بين كفر وإسلام حيث قال:

“أنها ليست معركة سياسية ..ولا معركة اقتصادية ..ولا معركة عنصرية …ولو كانت شيئا من هذا لسهل موقفها، ولكنها في صميمها معركة عقائدية، إما كفر وإما إيمان. إما جاهلية وإما إسلام”

كان مؤمنًا بأن الجهاد هو الحل وعلى يقين بحتمية المواجهة بين الإسلام والنظم الجاهلية وأنه في سبيل ذلك لابد أن تسيل الدماء حيث قال:

” إن الطريقَ شاقة، إن الطريقَ ليست مفروشةً بالزهور والورود، إن الطريق مليئةً بالأشواك.. لا.. بل إنها مفروشة بالأشلاء والجماجم، مزينةً بالدماء، غير مزينةٍ بالورودِ والرياحين.. إن الطريق شاق.. هذا هو المعنى الثاني الذي يجب أن نتذكره ونحن نتطلع ونحاول أن نرتفع إلى أفق الهجرة الكريمة”

لكن هذه الاتجاه الجهادي كان نقطة خلاف بيه وبين كثير من رفاقه في الجماعة.

كما عرّف الوطن والجنسية فقال:

“الوطن: دار تحكمها عقيدة ومنهاج حياة وشريعة من الله .. هذا هو معنى الوطن اللائق بالإنسان .
الجنسية: عقيدة ومنهاج حياة . وهذه هي الأصرة اللائقة بالأدميين “

سيد والضباط الأحرار:

كان سيد على علاقة بالضباط الأحرار، كان رافضا للظلم والاستعباد الذي كانت تمارسه الأسرة الحاكمة، فكان يتمنى أن تخلص الثورة الشعب من هذا العناء بتطبيق شريعة الرحمن، علم الطاغية عبد الناصر أهمية وجود شخص عبقري ومفكر فذ مثل سيد فعرض عليه وزارة المعارف فرفض سيد هذا العرض، سرعان ما اكتشف حقيقتهم فتركهم وكان يعلم جيدا عواقب هذا الفعل لكن الحر لا يخشى بطش الطاغية.

اعتقاله :

اعتقال في عام 1954م بسبب أحداث المنشية حيث اتهم الإخوان بمحاولة اغتيال الهالك جمال عبد الناصر، ضمن ألف شخص تم اعتقالهم وحكم عليه بالسجن 15 سنة ذاق خلالها ألوانًا من التعذيب والتنكيل الشديدين، ومع ذلك أخرج كتيب “هذا الدين” و”المستقبل لهذا الدين”، وأروع التفاسير “في ظلال القرآن” في سجن طرة.
وأفرج عنه بعفو صحي في مايو 1964م وكان من كلماته وقتذاك:

“إن إقامة النظام الإسلامي تستدعي جهودًا طويلة في التربية والإعداد، وأنها لا تجيء عن طريق إحداث انقلاب”

لكن النظام الفاشي لم يتركه طويل حيث تم اعتقاله مرة أخرى 9-8-1965م، وقُدم مع كثير من الإخوان للمحاكمة، وفي أثناء المحاكمة قال القاضي لسيد قطب: إنك متهمٌ بمحاولة قتل عبد الناصر، فرد قائلًا:

“إن قتل عبد الناصر هدفٌ تافه، إننا نهدف لبناء أمة لا يخرج فيها مثل عبد الناصر! “

وحكم عليه وعلى 7 آخرين بالإعدام، وبالرغم من منع القانون تنفيذ الإعدام على من بلغ عمره 60عام إلا أن المجرم عبد الناصر أصر على تنفيد الحكم وقال لهم إلا هذا، ونفذ فيه الحكم في فجر الاثنين 13 جمادى الأولى 1386هـ الموافق 29 أغسطس 1966م

قصة إعدام الشهيد:

و من أكثر المواقف روعة في حياته هي لحظة إعدامه كم كان شامخ بطل أذل أعدائه حتى و هو على المشنقة،
تقول الداعية زينب الغزالي׃
“… طلب الطغاة حميدة قطب ليلة تنفيذ الحكم بالإعدام. فقالت׃ استدعاني حمزة البسيوني إلى مكتبه وأراني حكم الإعدام والتصديق عليه ثم قال لي إن الحكومة مستعدة أن تخفف هذا الحكم إذا كان شقيقي يجيبهم إلى ما يطلبونه ثم أردف قائلا إن شقيقك خسارة لمصر كلها وليس لك وحدك… إننا نريد أن ننقذه من الإعدام بأي شكل وبأي وسيلة .
إن بضع كلمات يقولها ستخلصه من حكم الإعدام ولا أحد يستطيع أن يؤثّر عليه إلا أنت . أنت وحدك مكلفة بأن تقولي له هذا … نريد أن يقول إن هذه الحركة كانت على صلة بجهة ما.. وبعد ذلك تنتهي القضية بالنسبة لك. أما هو فسيفرج عنه بعفو صحي. وذهبت إلى سيد شقيقي وسلمت عليه وبلغته ما يريدون منه فنظر إلي ليرى أثر ذلك على وجهي وكأنه يقول׃ أأنت التي تطلبين أم هم؟ واستطعت أن أفهمه بالإشارة أنهم هم الذين يقولون ذلك، وهنا نظر إلي وقال׃

ولله لو كان هذا الكلام صحيحا لقلته ولما استطاعت قوة على وجه الأرض أن تمنعني من قوله، ولكنه لم يحدث وأنا لا أقول كذبا أبدا”

ثم سأل׃ وهل ترضين ذلك؟ قلت: لا . فقال:

“إنهم لا يستطيعون لأنفسهم ضررا ولا نفعا … إن الأعمار بيد الله وهم لا يستطيعون التحكم في حياتي ولا يستطيعون إطالة الأعمار ولا تقصيرها.. كل ذلك بيد الله والله من ورائهم محيط”

وفي الصباح فتح السجان الزنزانة ليخبره بحركة تبديل في العنابر لكن سيد كان يعلم انه حان وقت تنفيذ الحكم.
وحتى في أصعب لحظات حياته كان رجل يعلم أمة، يلقن الظالمين الدروس، فعند تنفيذ الإعدام وبعد أن وضع على كرسي المشنقة عرضوا على سيد قطب أن يعتذر عن دعوته لتطبيق الشريعة ويتم إصدار عفو عنه فقال: لن أعتذر عن العمل مع الله

ثم قال:

“إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم طاغية”

فقالوا له إن لم تعتذر فاطلب الرحمة من الرئيس، فقال:

“لماذا أسترحم؟ إن كنت محكوما بحق فأنا أرتضي حكم الحق، وإن كنت محكوما بباطل، فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل”

ويروى أيضا أن الذي قام بعملية تلقينه الشهادتين قبل الإعدام قال له: تشهد فقال له سيد:

“حتى أنت جئت تكمل المسرحية نحن يا أخي نعدم لأجل لا إله إلا الله، وأنت تأكل الخبز بلا إله إلا الله”

ووضع هو حبل المشنقة في عنقه بكل كبرياء واستعلاء بالحق.

يظن السطحيون والخائفون من المواجهة أن دعوة سيد فشلت وأن نهايته كانت مأساوية، لكن أبسط دليل على نجاح دعوته وتأثر الأجيال المتتالية بفكره اهتمامك بقراءة هذا المقال لتعرف قصة حياة العملاق وصدور العديد من المقالات الأخرى والأفلام الوثائقية عنه، وحرص الشباب على قراءة كتبه برغم منعها وخطروة اقتنائها،كما يعتبر سيد الأب الروحي للمجاهدين، وأما نهايته فهي من أعظم النهايات فهل هناك خير من الشهادة في سبيل الله بعد أن ترك عظيم الأثر في ثغور الدين.


التعليقات