أينقص الدين وأنا حي ؟!

كلمات قالها سيدنا أبو بكر في أحلك ظروف المسلمين، ذلك الوقت الذي قال عنه عروة بن الزبير رضي الله عنه:
كَالْغَنَمِ الْمَطِيرَةِ فِي اللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ، لِفَقْدِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِلَّتِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ

قالها الصديق وقت امتناع بعض القبائل عن الزكاة بعد وفاة رسول الله، ولكن الصديق لم يتحمل عقله كيف ينقص الدين وهو حي، قالها وهو موقن أن كل فرد منا مسؤول عن نصرة الدين، وأن الشخص الفعال المنشغل بنصرة دينه يمكنه أن يغير المعادلة. وقف رضي الله عنه وقال “إنه قد انقطع الوحي وتم الدين، أينقص وأنا حي؟!”، وأصر على قتال المرتدين ولم يقل أن الظروف صعبة والصحابة في حالة حزن والجيوش غير ماهلة، لكنه كان يرى أن كمال الدين والمحافظة على شريعة الرحمن كما أنزلت على الرسول هي الأساس، فكانت حروب الردة التي حفظ بها الدين وكسر شوكة القبائل الباغية. ولكن هذه الكلمات لم تكن وقود الانطلاق في حروب الردة فقط، فهي أسلوب حياة الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فكانت من قبلُ شعارًا للإمام أحمد بن حنبل يوم محنة خلق القرآن، وقد وقف وحيدا كما وقف أبو بكر، حتى قال الحافظ علي بن المديني:

إِن الله عز وجل أعزَّ هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث؛ أَبو بكر الصديق يوم الردة، وأَحمد بن حنبل يوم المحنة
محنة خلق القرآن:

بدأت المحنة بعدما تولى المأمون الخلافة، وتأثر بفكر المعتزلة وأخذ يقربهم إِليه، فاعتنق المأمون هذه العقيدة الفاسدة وهي القول بخلق القرآن، لكنه تردد في إلزام الناس والعلماء بها، فأشار عليه ابن أبي دؤاد وبعض المخرفين بإظهار القول بخلق القرآن، وإلزام الناس به، فكتب المأمون إلى واليه على بغداد إسحاق بن إبراهيم أن يجمع من بحضرته من القضاة والعلماء ،ويلزمهم بالقول بخلق القرآن، ومن أبى حبسه أو عزله أو قتله. فكانت فتنة عظيمة تضرب صميم الدين ومصدر قوة وانطلاقة المسلمين، واشتدت الفتنة، ولم يثبت فيها سوى أربعة من العلماء، الإمام أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح، واثنان آخران ما لبثا أن تراجعا وقالا مثل ما قال الناس. أمر المأمون جنوده أن يقبضوا على الإمامِ أحمدَ بن حنبل ومحمدِ بن نوح ، وأن يرسلا إليه، فأُرسلا مقيدين على بعير واحد، فأما محمد بن نوح فمات رحمه الله في الطريق قبل أن يصل إلى المأمون في طرسوس.

وبقي الإمام أحمد بن حنبل وحده، وجاءه رسول من قبل المأمون في الطريق. فقال له: إن الخليفة قد أعد لك سيفاً لم يقتل به أحداً، وهنا توجه العابد القابض على دينه لله قائلا: “اللهم فإن يكن القرآن كلامك ليس بمخلوق فكفيني مؤنته” فاستجاب الله له ومات المأمون قبل لقائه بالإمام أحمد. ولكن المحنة ظلت مستمرة فبعد المأمون تولى المعتصم الحكم، وكان على مذهب أبيه المنحرف فأمر بإحضار الإمام من السجن وعقدوا مناظرة استمرت ثلاث أيام بينه وبين مشايخ الفتنة، كان فيها الإمام ثابت لم يخشى بطش السلطان وأصر على كلامه، فأمر المعتصم بتعذيبه وكانوا يتناوبون على جلده فأغشي عليه ولما أفاق سقطت قطع اللحم الميت من ظهره وكسرت أضلعه وقطعت يداه. لم تكن المحنة التي مر بها الإمام أحمد حدث غريب على الصالحين العارفين دين الله بحق، فكما قال ورقة بن نوفل للنبي ” لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي”. وكما كان الإمام رضي الله عنه ثابت كان هناك علماء السلطان الراكعون تحت كرسي السلطان الذي لم يخلى زمن منهم، أخذوا يحضروا المعتصم على قتله ليسكتوا صوت الحق الذي يؤرقهم ووصلت بهم الحقارة والدناءة فقالوا: أقتله ودمه في أعناقنا!

والسؤال الآن:

أينقص الدين وأنت حي!؟ قبل أن تجيب على السؤال مرر الإجابة على قلبك، استشعر واجبك نحو دينك، ستقول لي وماذا عساي أن افعل؟ فقد قال ربنا في محكم تنزيله ” لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ” أما نفسك فهي مأمورة بالصدع بالحق والدفاع عن الدين فعليك أن ترد الظلم والفساد بيدك وان لم تستطع فبلسانك وقلمك وتبيان الحق للناس وجعلهم جنود تحت راية لا إله إلا الله فربما كلمتك يفتح الله بها الطريق لغيرك وتكون قاعدة تنطلق منها الأجيال القادمة فتحرر الأمة، ولا تحتقر نشر الوعي فالإمام أحمد عُذب و سيد قطب أعدم بسبب كلماتهم فلا تحقرن من المعروف شيء، وان لم تستطع فحصن قلبك واملأه إيمانًا بالله وحب الدين، عمق وعيك كن فردا مسلما واعيا يحمل هم دينه، واعلم أن الإنسان ليس أمامه سوى طريقين إما طريق نصرة الدين والسير على درب الصالحين وإما طريق من خذل دينه فأخذاه الله، وأعلم أيضا أن الشجاعة لا تقدم الموت والانبطاح والوهن لا يُأخره، فالحرب كل يوم تشتد على دينك والنظام العالمي أخرج كل أسلحته ويعمل بكل طاقته، فكيف يطيب القعود وكل عرى الإسلام نقضت!!

تعلم، انتفض، ثور على الظلم، اغضب لدينك، فربما تكون أنت الفاتح محرر الأمة.
فكما قال بن مسعود ” أنت الجماعة لو كنت وحدك”


التعليقات