تعلمت.. في عشر الحج

تعلمت من أذان أبي الأنبياء إبراهيم – عليه السلام – (وأذن في الناس بالحج يأتوك) (الحج: ٢٧):

1- أن وراثتي للأنبياء إنما هي بالدعوة إلى عبودية الله – تعالى – في الأرض، والانتصار لدينه بين الناس، فهذا هو الأمر الرباني الكريم إليهم – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -.

2- أن استفراغي لوسعي – مهما قل – مؤثر، لأن الله – عز وجل – هو الذي وعد بالنتيجة، فكم بين (وأذن) وبين (يأتوك)!!.. ومع ذلك فلا بد من السعي البشري.

3- أنه ليس من شرط العبادة أن تكون قريبة وسهلة، بل قد يكون فيها شيء من بعد ومشقة – مما يقدر الإنسان على مكابدته -، والامتحان الحقيقي هو في الإصرار على العبادة، والحرص على الوصول إليها (يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) (الحج: ٢٧).

تعلمت من جمع العباد في صعيد واحد ، ويوم واحد ” الحج عرفة ” (حديث صحيح):

1- أن اجتماع المسلمين لإظهار الشعائر والشرائع فريضة متحتمة.
2– أن هذا الاجتماع إنما يجمل ويكمل، بحسن الخلق واحتمال الأذى – والذي لا بد من شيء منه (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) (البقرة: ١٩٧).

تعلمت من ثواب الحج المبرور “رجع كيوم ولدته أمه” (حديث صحيح):

1- أن الإنسان يولد نقيا، وإنما يلوث نفسه بعد ذلك بقدر كسبه السيء، فيشوه نقاء البداية.
2- أن التنقية من الذنوب ممكنة، بل واجبة ، وهي لا تكون إلا بالأعمال الصالحة (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) (هود: ١١٤) و ” صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده”.

تعلمت من فضل أيام عشر ذي الحجة “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام” يعني أيام العشر، قالوا : يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: “ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء” (حديث صحيح):

1- أن الفضل مرتبط بالعمل، فينال الناس من الفضل بمقدار ما يحققون من صالح العمل.
2- ولذلك فمن الناس من لا ينتفعون بشرف زمان ولا مكان، لأنهم لا يتحركون بعمل صالح.
3- أن ذكر الله – تعالى – أصل كل طاعة وخير، والغفلة عنه – سبحانه – أصل كل معصية وشر ، لذلك كانت الوصية “ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد” (حديث صحيح).
4- أن أبواب الخير واسعة متنوعة، فمن فاته الحج، لم يفته كل خير، بل أمامه أبواب أخرى من صنوف الأعمال الصالحة، إلا أن يسدها عن نفسه بالعجز والكسل وسوء الاختيار.

تعلمت من ختام الحج بالاستغفار (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) (البقرة: ١٩٩):

1- أن عملي مهما اجتهدت فيه لا بد أن يرد عليه خلل ما، وذلك نابع من بشريتي الضعيفة (وخلق الإنسان ضعيفا) (النساء: ٢٨).
2– فلا أنظر إلى عمل صالح عملته نظرة إعجاب، ولا تكبر عندي نفسي به، ولا أستعلي به على عباد الله ، فضلا عن أن أرى أني قد وفيت حق خالقي – سبحانه -.
3- بل أظل محتاجا إلى رحمة ربي وعفوه بعد العمل الصالح، كما كنت محتاجا إليها قبله ، بل وكما أحتاج إليها نعد عملي السيء، وفي كل لحظة من لحظات حياتي.

تعلمت.. وتعلمت.. وتعلمت أنني لن أستفيد شيئا.. حتى أعمل بما تعلمت “اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع” (حديث صحيح).. فالآن.. حان أوان العمل.


التعليقات