الضبط التشريعي في الإسلام

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان الا على الظالمين وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا رسول الله وآله ومن والاه أجمعين، وبعد:

فيا حملة الشريعة لا تلخصوا الشريعة للناس في الحدود والقصاص فهي لعبة عالمانية أراد أصحابها إهدار قيمة الشريعة وتخويف الناس منها، فالحدود أحكام استثنائية كعقوبات لمن يخالف الأصل الشرعي والإنساني المجبول على الاستقامة في غالبيته، وهي ـ أي الحدود ـ جزء من قانون العقوبات والذي هو بدوره جزء من القانون الجنايات والذي هو أيضاً جزء من الفقه الإسلامي العظيم، كما أن شروط تطبيق كثيرًا منها أراد الشارع صعوبتها وتضيقها، نعم هي حق قطعي الثبوت والدلالة بلا ريب من حيث الأصل والثبوت وإن لم يكن كذلك دائماً من حيث التفصيل كمقدار ما يقطع من اليد للسارق وعدد الجلدات لشارب الخمر وغيرها ، وإنما الواجب أن نعِدَ الناس يقيناً لا شك فيه بجبال الذهب والفضة وأنهار اللبن والعسل في الدنيا لا في الآخرة فحسب، وسعة في الأموال والأولاد والمعايش إن هم طبقوها وعرفوا ما فيها من السعة والمرونة والقوة والانضباط وما فيها من نظم اقتصادية واجتماعية وسياسية وقانونية بل وحربية.

وإنني في هذا المقال لأعرض إلى ذاك المقام ولكن في ركن من أركانه ألا وهو محاولة الإشارة إلى بعض النظم القانونية والتشريعية في الشريعة الغراء، فإن المتأمل اليوم لكل هذا التلاعب بالمواد والقوانين والإعلانات الدستورية وغيرها ليتذكر تلاعب الجاهلية الأولى بالشهور في النسيئة يحلونها عاماً ويحرمونها عاماً، فواضع القانون على أساس وضعي لا شرعي هو من قد يطعن عليه أحياناً وربما يحل المؤسسات التي قامت على أساسه وكنتيجة له !! كما حدث في مصر في قانون انتخابات مجلس الشعب وكذلك قواعد تشكيل اللجنة التأسيسية إلى غيرها من القضايا.

“إمكان التلافي”؛ بمعنى إمكان الطعن على القانون قبل أن تترتب عليه آثاره بما تشتمل عليه من حقوق وواجبات وتبعات ونفقات وربما أبضاع وغيرها

بينما تحيل شريعة الإسلام الضابطة هذا العبث, ففي أصولها التشريعية والقانونية ما يضبط أصل التشريع بقواعد حاكمة مانعة تقلل إن لم تمنع الخلل والعوار فيه إذا أخذ بها الناس مأخذها، أما إذا وقع فيه الخلل من جهة واضعيه ففيها ما يحدد نوعية العوار من ناحية كونه أصلياً فيهدر أصل القانون أم فرعياً لا يؤثر فيه كما وأن في الشريعة ما يضبط العلاقة بين القانون ـ أياً كان مجاله ـ وما ينبني عليه ففي شريعتنا قاعدة: “إمكان التلافي“؛ بمعنى إمكان الطعن على القانون قبل أن تترتب عليه آثاره بما تشتمل عليه من حقوق وواجبات وتبعات ونفقات وربما أبضاع وغيرها، ففي الفقه الإسلامي إذا طُلقت من غاب عنها زوجها فرجع قبل أن تعقد زواجاً جديداً صارت للأول وإن عاد بعد أفضت إلى رجل آخر ولو عقداً بانت منه وصارت للآخر.

“إمكان الانفكاك” والتي تحيل انتقال بطلان الأصل إلى الفرع طالماً أمكن انفكاكهما

وفي العمل بمثل هذا المبدأ ما يمنع من غمط الناس حقوقهم، وهو ما كان كفيلاً بمنع حل مجلس الشعب المصري على سبيل المثال، فإنه وبموجب هذه القاعدة فإن إيقاف تشكيل البرلمان لعوار في قانونه جائز طالما لم ينتخب أما إذا انتخب فيمتنع حله والطعن عليه لعدم إمكان تلافي وجوده بإرادة الأمة خاصة مع وجود قواعد أخرى حاكمة مثل قاعدة: “إمكان الانفكاك” والتي تحيل انتقال بطلان الأصل إلى الفرع طالماً أمكن انفكاكهما، كقضاء النبي بين رجلين عمر أحدهما أرضاً بواراً كان صكها لرجل آخر بشرط زراعتها في مدة معينة فقضى بينهما أن يشتري صاحب الصك الزرع وتصير له أو يشتري صاحب الزرع الأرض وتصير له، أما إذا لم يمكن الانفكاك فيسري العوار من الأصل على الفرع ساعتها كما قضى النبي صلى الله عليه وسلم بقطع نخل زرعها صاحبها في أرض ليست له فقال: (ليس لعرق ظالم حق) قال راو الحديث: “فلقد رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالفؤس”، فبطلان قانون الانتخابات سالف الذكر هو تبع للنوع الأول فلا يسري على النتيجة فالشعب قد قال كلمته فبقي لهم عوار قانونهم ولنا خيارنا الذي اختار الله لنا؛ إلا أن يكون العوار في الانتخابات ذاتها بالتزوير وساعتها فالانفكاك غير ممكن.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل

التعليقات