الإسلاميون أزمة لحظية وأسباب جذرية

الثورات فعل لحظي بطبيعته، وما يجري اليوم في المنطقة من ثورات متلاحقة تشبه تدافع قطع الدومينو المتساندة لهو دليل أننا نعاني مرحلة قدرية بامتياز وإن كانت كافة المراحل في حقيقتها كذلك إلا أن بعضها يشبه الإعصار إذ يدمر في لحظة واحدة ما لا يفعله ألف معول في ألف عام وهو ما قد يجعلنا نميزه بأنه حدث قدري أو كوني مع أن جميع الأحداث ينالها نفس الوصف من حيث الأصل.

ومن الخطأ المحض قراءة واقع الأزمة بين حزبي النور والحرية والعدالة صاحبي المرجعية الإسلامية وإن اختلفت مدرستيهما، بمعزل عن هذا التصور وأشد منه خطأ وخطراً ان ننسى الواقع التاريخي الموطأ لكل ما يجري من أحداث، ولمناقشة هذه الظاهرة يجب أن نستقرأ أمرين أو فعلين زمانيين أحدهما تاريخي والآخر آني.

التاريخي

فأما التاريخي فهو أن الحركة الإسلامية عانت ما لم تعانه فئة أخرى في مجتمع من المجتمعات من القهر والبطش والتنكيل والضغط والتغييب؛ ما حدى بها إلى محاولات عدة للتكيف أو التمرد وما يتبع كلاً منهما من آفات وإفادات، فقد أصابها ساعتئذ ـ وهذا يشمل الجميع ـ ما يمكن ان نشبهه بالتحور الذي يصيب الكائنات لتلائم وظائفها البيئات القاسية والغير مناسبة لحياتها، وكان من أبرز تلك المعالم التمحور حول الذات أو الجماعة والمجموعة والانعزال مع محاولة استخدام ما يمكن من أدوات لتخطو ولو خطوة الألف ميل في طريق تحقيق أهدافها ومبادئها.
وقد خرجت الحركة من ركام التجارب التاريخية الأليمة بأطروحات وتحركات قد تبدو من مظاهر القدرة على الحياة رغم شدة المواجهة مع البيئات الحاكمة القاسية أو المجرمة أحياناً ولكنها كانت في الحقيقة من مظاهر الأنين او الانتفاض المتألم مما يعني أن الحالة الإسلامية في مصر كانت تمثل في الحقيقة فلول معركة وأطلال تجارب متراكمة الانكسارات في مواجهة الأنظمة العاتية، ومن أخطر ما تفتق عن ذلك أن المجتمعات الحاضنة في حقبتها التاريخية المتململة حين تحركت لتثور وتطيح بتلكم الأنظمة؛ تحركت في الحقيقة بمعزل عن القوى الإسلامية رغم ما لها من أسبقية حقيقية في الثورة والمواجهة مع تلكم النظم، ورغم أن الحركة في معظمها قد لحقت بركب الثورة أو اشتركت فيه في مراحل متعددة إلا أنه كان من الواضح أن هناك إطاراً عاماً شبه متفق عليه ألا تكون هي واجهة هذه الانتفاضات المجتمعية، وخطورة هذه الحالة أن تلكم القوى كان ينبغي أن يكون عليها المعول في قيادة تلكم الثورات وتوجيهها والاندفاع بها نحو تحقيق أهدافها الحاسمة بدلاً من بقائها عارية عن القيادة حتى هذه اللحظة.

الوضع المعيشي الآني

ثورتنا رغم قوتها التي أسقطت نظاماً مجرماً عاتياً افتقدت للمشروع وللقيادة

ملمح آخر لابد من لمسه وهو الوضع المعيشي الآني في مرحلة ما بعد الثورة إذ يبدو أن الحركة الإسلامية متمثلة في قواها التقليدية قد انتهجت نهجاً إصلاحياً ترقيعياً لا يتناسب مع طبيعة المرحلة الثورية خاصة أن ثورتنا رغم قوتها التي أسقطت نظاماً مجرماً عاتياً افتقدت للمشروع وللقيادة كما أسلفنا ولم تكن في طبيعتها التي تترجم طبيعة شعبنا حمراء دامية وإنما كانت بيضاء ناصعة قبل أن يلوث وجهها الجميل بعض البقع مؤخراً، ورغم إيجابية وحضارية هذا الملمح إلا أنه لم يكن كافياً لاستئصال النظام السابق بعد سقوط رأسه ليبقى معوقاً خطيراً في مسار التغيير الحقيقي.

وكان هذا كمحصلة لعجلة القصور الذاتي لما مرت به وما تم تلقينه لها خاصة انها لم تستطع بعد أن تنفي خبثها وما ترسب في قاعها من شوائب أو طفى على سطحها من زبد كما لم تستطع في عجالة اندفاعتها نحو المزاحمة السياسية ـ إن لبعضها وإن لغيرها ـ من صياغة عقد اجتماعي إسلامي جديد يستفيد من مرحلة الحرية والانفتاح بحيث يطّرح أطروحات فترات العسرة والمحنة جانباً ويتنفس أجواء الراحة والأمن النقية مما يعني بقاء كل دسائس النظام السابق وبروز ركام من الفقه الأمني العالق على جوانب الحركة وبذلك تكون قد أضاعت فرصة تاريخية هائلة لتصحيح المسار وإيقاف التآكل الداخلي الناتج عن جراثيم النظام البائد من أفكار وأشخاص ربما ارتقى بعضهم إلى مراتب الرموز.

ولا أبالغ إن قلت أن الصف الإسلامي قد عانى من أخطر أنواع الاختراق في فترة ما بعد انهزام المد الجهادي حيث تغول النظام الأمني العنيد ليخترق صفاً عريضاً لكنه هشيمٌ في حقيقته ويبذر فيه كل بذور الفتنة وألغام التفجير الذاتي في أية لحظة، وفي هذا السياق يمكن ان نفهم كل ما يجري الآن دون أن تصيبنا الحيرة أو يأخذنا الدوار.


التعليقات