انقلاب مصر وسيناريوهات النهاية

يرجى ملاحظة أن هذه المقالة من المقالات القديمة التي لا يتطابق تاريخ نشرها على الموقع مع تاريخ نشرها الفعلي

اليوم وقد قارب وجود الانقلاب على الشهرين، لا زال الصراع محتدما بين مشروع انقلاب يحاول الاستقرار والاستمرار، وبين فعاليات شعبية تنوعت ولم تتوقف، ترفض أن تمنحه ذلك الاستقرار والاستمرار.

تلك الفعاليات التي ينظر لها على أنها عامل مؤثر في معادلة الواقع، وإن لم تتحول بعد إلى عامل حاسم، في صراع يعتمد القوة الخشنة سبيلا لتحقيق الأهداف، وإنهاء المعركة.

السيناريو الأول:

يقوم على اعتماد سياسة البطش الزائد، وتوسيع دائرة الإرهاب العسكري والبوليسي، بما يسكت كل صوت معارض. ويفرض واقعا قائما يجبر كل الأطراف في الداخل والخارج على التعامل معه بالإقرار. وهذا هو الخيار الذي يتبناه القائد العسكري للانقلاب.

السيناريو الثاني:

يقوم على أن القوى الخارجية التي دعمت الانقلاب، تقرر عندها عدم قدرة قائد الانقلاب على فرض الاستبداد الإقصائي. مع رغبتها ابتداء في الاستقرار الذي لا يكون الإسلاميون على رأس السلطة فيه، وإن كانوا لا يمانعون في إعطائهم شراكة، بالحد الأدنى الذي لا يؤثر على نفوذ الخارج في بلادنا.

وهذا ما كان الخط الغربي يدعمه بعد الانقلاب من خلال مكين وآشتون، ومن خلال البرادعي وأشباهه. لكن وقف في طريقه السيسي شخصيا، وسار في السيناريو الأول مراهنا على نجاحه.

لأن السيسي هو الخاسر الوحيد في الحل السياسي، إذ سيربح فيه العلمانيون صدارة للمشهد السياسي بعد أن كانوا على هامشه، وسيربح الإسلاميون-في رأيه- خروجا من المأزق الاستئصالي الذي وقعوا فيه بالانقلاب، بينما سيحجم دور السيسي سياسيا، بل قد يسعى في تحجيمه عسكريا، لأنه في نظر الخصوم والشركاء جميعا قائد انقلاب عسكري.

لكن يمكن الوصول لهذا الحل من خلال شيئين: أولهما: تقليل الضخ المالي الخليجي، والذي يحاول دون جدوى، تجاوز أزمة الانهيار الاقتصادي الذي تسبب فيه الانقلاب. ومجرد تقليله، كاف في إسقاط الانقلاب، حيث قد يعجز عن الوفاء حتى بمرتبات موظفي الدولة. أما ثانيهما: فبترتيب انقلاب على السيسي ممن تحته من القيادات العسكرية، مع توفير الغطاء السياسي لذلك، وقد يتم ذلك بشكل ناعم وحاسم في آن واحد.

السيناريو الثالث:

أن تخرج قوة عسكرية من الجيش، ترفض الاستمرار في جرائم الانقلاب، فتزيح قادته بحسم عنيف. وتعيد الأوضاع إلى سياقها الشرعي السابق.

وهذه القوة ليست تنظيما سريا، وليست ذات توجه فكري أو سياسي خاص، لكنها قد تجبر على ذلك، من خلال مشهد دموي لا تقدر أن تكون مشاركة لقتل الناس فيه، وطول الزمن وتكرار الجرائم يقللان من فاعلية التزوير الإعلامي الموجه، مع بشاعة لم تفلح في إيقاف الرفض، بقدر ما أفلحت في الكشف عن وجه الانقلاب الدموي.

المناقشة :

إن السيناريو الأول هو الأسوء حالا، والأقل احتمالا، والمراهنة عليه ضعيفة لكنها موجودة، وهو يستثمر في تكسير عظام الإسلاميين والأحرار والمجتمع لأقصى درجة ممكنة، وبوادر الاستغناء عنه ظاهرة. بل إن منع السيسي للسيد البدوي رئيس حزب الوفد من السفر للخارج، مؤشر واضح على تخوفه من هروب شركاء الانقلاب من قادة الإنقاذ، وأن يتم بيعه في النهاية، لأنه لا أحد يتبنى دعم الفاشلين.

والسيناريو الثاني له حظ أكبر، إلا أن تعويق السيسي له يمثل عقبة لا يمكن تجاوزها. ومع كونه قد يبدو حلا مريحا بسرعة لكل الأطراف، إلا أنه سيعيدنا إلا حالة ما قبل الانقلاب، وهي حال لا تتسم بالاستقرار. كما أنها لا تخرجنا من دائرة اللعب الخارجي بالدرجة الكافية، ولا تحمل ضمانات كافية على مستوى قوى المجتمع الداخلي.

ومن ناحية النظر للحكمة القدرية من الأحداث، فإن هذه النهاية تقلل من فائدة التمحيص والتمايز، الذي أظهره الله للأمة في محنة الانقلاب. وهوما لا أميل إلى ترجيحه.

أما السيناريو الثالث، فعيبه أن الحسم فيه ليس بيد أي من طرفي الصراع. لكن الطرف الإسلامي يوفر له السياق المغذي، من خلال استمرار الفعاليات واتساع دائرتها، كما أن الطرف الانقلابي يدفع بشدة إليه من خلال شيئين:

أولهما: عدم القدرة على المناورة السياسية، والسير في طريق واحد هو محاولة الحسم بالبطش العسكري.

ثانيهما: ما يضطر إليه من توسيع عدد المشاركين في القمع، فلا ينحصرون في دائرة طائفية يستغلها، ودائرة ولاء قريب جدا.

في الختام :

إن الأيام القليلة القادمة، سترسم فيها معالم مرحلة جديدة، لا أقول في مصر، بل في المنطقة كلها، وربما في العالم بالتبع. ولعل ذلك يكون أسرع مما يتوقع الكثيرون، وأرجو أن يكون فيما يأتي خير للمستضعفين في مصر والشام، وسرعة زوال لمن بالغوا في الظلم، واستجمعوا أسباب الهلاك. وإن غدا لناظره قريب.


التعليقات