إشكالية تطبيق الشريعة

يرجى ملاحظة أن هذه المقالة من المقالات القديمة التي لا يتطابق تاريخ نشرها على الموقع مع تاريخ نشرها الفعلي

ما تزال معركة تطبيبق الشريعة دائرة في مصر بين القوى الليبرالية والقوى الإسلامية ، و بدأت طبول الحرب تدق يوم تنادى القوم بالتصويت على استفتاء التعديلات الدستورية عقب ثورة مصر المباركة ؛ فيما اعتبره البعض ” غزوة الصناديق “ بينما عده آخرون ” غزوة الدستور أولاً “ في محاولة لإمضاء كل فريق لإرادته .

و تتجلى أزمة الشريعة بين الفريقين بكل أبعادها بدءً من تغيير دعاة العلمانية في بلادنا لجلدهم ليتسموا بدعاة ” الدولة المدنية ” وانتهاء بتفاعلهم في قضايا طالما صمتوا عنها كالإساءة للنبي – صلى الله عليه وسلم – ، بل تعدى الأمر لتوزيع المعونات الخيرية و” الزيت والسكر ” الذين طالما انتقدوا الإسلاميين عليهما كما تفعل بعض الأحزاب الجديدة اليوم .

غير أنني معني في هذا الصدد بتناول الجانب المتعلق بالتصور و الممارسة الإسلامية لقضية تطبيق الشريعة ، ففي ظني أن الشريعة لن تقوم في بلادنا بالأغلبية و لا بالمغالبة كما توهم البعض ، و لن يغني عنهم حب الناس الفطري للدين و أهله إذا صدرت من المتدينين أفعالاً مخيبة لآمالهم و طموحاتهم أو انعزلوا عن آمالهم و آلامهم ، كما لن يشفع لهم عند الناس كثرة المعونات الخيرية و الخدمات الاجتماعية التي يقدمونها لهم فأقصى ما يرتجى منها هو تعاطف الناس و ربما دعمهم في المبارزات السياسية ، إلا أنها سرعان ما يزول أثرها بالضغط و التحريض الإعلامي المضاد و المعادي الذي يستغل أخطائهم و هفواتهم .
إن الشريعة لن تقوم في بلادنا إلا بعد أن تصبح ثقافة عامة للشعب كله ، و أقصد بالكلية هنا الغالبية العظمى من أبناء هذه الأمة البر منهم و الفاجر والطائع و العاصي و المحتشمة و غير المحتشمة ، إذ أن الأنظمة الجائرة و العهود الظالمة المظلمة قد عمدت إلى إخفاء حقيقة الشريعة و محاسنها عن جموع المسلمين و غير المسلمين و أعانها على هذا قرون متطاولة من التغييب الحقيقي لها عن واقع المسلمين و حياتهم .
إنه ما كان ينبغي لنا أن يكون بيننا إسلامي و غير إسلامي إذ أن جماهير أمتنا الغفيرة على الجملة مسلمون ، إلا أن نشوء ظاهرة تبني أفراد أو جماعات من الأمة لمناهج غربية متعارضة في جذورها مع حقائق الإسلام الكبرى هو ما حتم وجود إسلاميين بين المسلمين ينادون بمرجعية الشريعة و حاكميتها بمعنى فوقيتها و مصدريتها ، إلا أن هذا غير كاف لإعادة إحياء القضية في نفوس الناس فضلاً عن تعريفهم بتفاصيلها و أقضياتها .

إنه من الواجب أن ينفي الصف الإسلامي خبثه أولاً و يعبر عن نفسه و حملته التعبير الحقيقي بنبذ الأطروحات الفاسدة ـ التي دسها المجرمون إذ هم في سدة الحكم ـ هي و من يحملونها ، و استغلال عهود الحرية والسعة في إرساء عقد اجتماعي إسلامي جديد يصوغ العلاقة بين الحاكم و المحكوم ، و بتجديد المنظومة الفقهية القديمة التي تكرس الجمود و التقليد و تنفي البعد المقاصدي للشريعة الغراء .

كما ينبغي أن تكرس الحركة الإسلامية المنهجية العلمية الصحيحة و التخصصية الشديدة بين كوادرها و إنهاء تفرد القيادة العلمية المدرسية بإدارة كل شئون الحياة فيما يكن أن يسمى ” بالقيادة المطلقة “ ، و من شأن ذلك أن يعيد المرونة لمفاصل الحركة الإسلامية التي كادت أن تتخشب و يعطيها الفعالية المطلوبة .

كما و أنه من الواجب أن تغير الحركة الإسلامية من تكتيكاتها الحركية لخدمة الهدف الاستراتيجي المذكور و هو تحويل الشريعة إلى ثقافة عامة للأمة و لذا عليها أن تكف عن التقوقع عند شريحتي الطلاب و الطبقة المتوسطة من المجتمع و هو ما أفقدها مستويات عمرية و فئوية معينة و ضيق حيز وجودها الفعلي ، لهذا فعليها أن تنطلق إلى طبقتي العمال والفلاحين و تنهي استئثار اليسار بهذا الشعار فنحن أحق به منهم لما بذلناه ونبذله من خدمات اجتماعية لم يقدموا هم معشارها ـ إن كانوا قد قدموا شيئاً أصلاً ـ و لنعمد لتبني قضاياهم في أصعدة جديدة سياسية وقانونية  وشعبية و ميدانية و إعلامية ، فنبينا كان هو نبي المستضعفين و المقهورين .


التعليقات