شبهة بول الشيطان في أذن الإنسان

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد هذه الشبهة يتحدد الرد عليها من جانبين ـ من كونها أمر غيبي لانستطيع تكييفه ولسنا مطالبين فيه بأكثر من التسليم بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم به وهذا هو الجانب الأول ـ ولكن هذا الأمر الغيبي يمكن فهمه من خلال تفسير دلالة الخبر قياسا على واقعنا الظاهر المحسوس وهو الجانب الثاني وفيه يمكن الإجابة على عدة تساؤلات لماذا البول ؟ ولماذا في الأذن ؟ وما هي دلالة البول في الأذن ؟

والواقع أن فهم طبيعة الشيطان هي التي تفسر مسألة التبول , فالشيطان له علاقة أساسية بالعورات والخبائث ومن ذلك نجد أن الشيطان يختار مكان قضاء الحاجة بالنسبة للإنسان للتأثير عليه مما دعا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يعلمنا دعاء دخول هذه الأماكن فيقول : ” اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ” [1] وكأن الشيطان لم يجد إلا مكان قضاء الحاجة والبول مما يكشف بوضوح قبح هذه النفسية . وليس أدل علي ما يملأ كيان هذا المخلوق من خبث من حبه للعورات حتي كان هدفه في بداية الأمر هو كشف سوءة آدم وحواء بدليل قول الله عز وجل : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا)[ الأعراف : 20-22] ولقد كان لحب العورات في نفس إبليس رصيد جعله يعشق أصول أذناب الإبل بدليل قول رسول الله صلي الله عليه وسلم : ” الإيمان ها هنا .. ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرنا الشيطان” [2] وليس عند أصول الأذناب إلا عورة . وفي هذا الإطار يمكن فهم لماذا يبول الشيطان ؟ ـ لماذا في الأذن والأذن هي الحاسة الأساسية للنوم بدليل قول الله عز وجل في فتية الكهف (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) (الكهف:11) فكان نوم فتية الكهف هو بالضرب على الآذان , لأن اليقظة لها تفسير أساسي وهو السمع لأن الإنسان يظل نائما الى أن يسمع , وباعتبار أن السمع أعمق حاسة من الحواس التي تبلغ المخ وتؤثر فيه، فإن أي محاولة لإيقاظ النائم يجب أن تقوم على أساس التأثير في المخ ، مثل أن يشم رائحة نفاذة تصل إلى المخ بصورة أعمق من السمع، أو نضح الماء على الوجه للتأثير في المخ والجهاز العصبي في أدق منطقة عصبية للإنسان وهي الوجه ولذلك تثبت السنة إمكانية مسح النوم عن طريق مسح الوجه باليد. كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم . “وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد مسح عنه أثر النوم وذلك بمسحه وجهه بيديه ” صحيح البخاري – (ج 5 / ص 2338) وباعتبار الصلة بين النوم والمخ كانت حركة الرأس من أكبر الأدلة على قوة النوم أو ضعفه، على أساس أن حركة الرأس مؤشر لحالة النائم، ومن هنا فإن الشيطان عندما يحاول منع الإنسان من اليقظة للصلاة فإنه في الأساس يمنع حركة الرأس، ومن هنا كان العقد على القافية من أساليب الشيطان المختلفة لاستمرار نوم الإنسان كما قال e: “يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة مكانها: عليك ليل طويل فارقد. فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطاً طيب النفس، و إلا أصبح خبيث النفس كسلان”(1).

وأثر قولة الشيطان مع العقد على القافية” إن عليك ليلا طويل فنم ” هي أن قولة الشيطان تكون في مخ الإنسان بعدما عقد عليها الشيطان العقدة بالعبارة وهذا في إطار إبتلاء الإنسان بالشيطان فإذا ما حاول الإنسان الإستيقاظ يجد العبارة في مخه” إن عليك ليلا طويل فنم ” فينام فاذا قام وذكر الله انحلت عقدة ….

كما في الحديث ولذلك كان جزاء من ينامون عن الصلاة شدخ رؤوسهم بحجر: كما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسراء والمعراج.(2)باعتبار العلاقة بين النوم والرأس. وباعتبار أن بول الشيطان في الأذن من الأمور الغيبية فإن في واقعنا البشري حقائق رمزية يمكن الإستفادة من دلالاتها في تفسيرهذه الأمور مثل رمز الراية المرفوعة في القتال التي توارثها الناس تاريخياً حتى أصبحت الراية المرفوعة رمزاً للنصر فأقر الإسلام هذا المعنى الرمزي وأثبته في نصوص شرعية كثيرة وباعتبار الأثر النفسي لرمزية الراية المرفوعة على النصر إرتكز الحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الأثر في غرس الإحساس بالنصر والهزيمة أمام الشيطان كطرف غائب عن الإنسان وضرورة الإحساس بالنصر عليه فقال عليه الصلاة والسلام : :”ما من خارج يخرج من بيته إلا ببابه رايتان: راية بيد ملك،وراية بيد شيطان،فإن خرج لما يحب الله اتبعه الملك برايته فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته،وإن خرج لما يسخط الله عز وجل اتبعه الشيطان برايته فلم يزل تحت راية الشيطان حتى يرجع إلى بيته“. رواه أحمد والطبراني في الأوسط ” وبنفس المنطق نناقش الدلالة الرمزية للبول في الأذن , فالبول في الأذن له دلالة الغلبة مثل رفع الراية وقد استدل ابن القيم بهذه الظاهرة فقال في شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل فقال …” ومن علم الأسد أن يخضع للببر ويذل له إذا اجتمعا حتى ينال منه ومن عجيب أمره أنه إذا دعاه الأسد أجابه إجابة المملوك لمالكه ثم أمره فربض بين يديه فيبول في أذنيه ” شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل للإمام ابن القيم بتصرف ليكون هناك من يقهر الأسد الذي يقهر جميع الوحوش فيكون مقهورا كما يكون قاهرا لأن الله وحده هو الذي يَقهر ولايُقهر ويجب التفريق بين تفسير النص كأمر غيبيى لانملك تكييفه وبين دلالة النص قياسا على واقعنا البشري والتي تعني غلبة الشيطان على الإنسان الذي لم يقم الإنسان الى صلاة الصبح تماما مثل رفع الراية كما أن للبول دلالة الإفساد ” كما قال الشاعر بالَ سُهَيْل في الفَضِيخِ فَفَسَد أَي لما كان الفَضِيخ يَفْسُد بطلوع سُهَيْل كان ظُهورُه عليه مُفْسِداً له ” لسان العرب – (ج 11 / ص 73) والمعنى” لما طلع “نجم سهيل” ذهب زمن البسر وأَرطب فكأَنه بال فيه والمعنى أَنه يُسْكِرُ شاربه فيفضخه ” لسان العرب – (ج 3 / ص 45) وعقد الشيطان على قافية إبن آدم من باب الإبتلاء به , وفي تحديد معني الإبتلاء بالشيطان تثبت ثلاثة حدود : –

الحد الأول :

أن البلاء هو الأمر الذي لا يمنع الحرز حدوثه أصلا لأن الحرز لا يمنع البلاء ولكن يمنع التسلط .

الحد الثاني :

أن البلاء بالشيطان قائم باعتبار أن الوجود الإنساني علي الأرض هو الأساس في العلاقة الكونية بين الإنسان والشيطان .

الحد الثالث :

أن البلاء بالشيطان مرتبط بالصفة الأساسية للبلاء بمعناه العام وهو العدل [3] بمعني أن البلاء بالشيطان يتفق مع إمكانية الإنسان في التغلب عليه والنجاة منه * أما عن الحد الأول وهو :

أمور البلاء التي تتحقق ولا يمنع الحرز حدوثها ولكن يمنع أثارها هي :

القرين :

وهو الشيطان المخصص لكل إنسان والدليل عليه قول رسول الله صلي الله عليه وسلم : ” ما منكم أحد إلا وكل به قرينه من الجن ” وهذا يعني أن القرين بمعني البلاء يكون بقدر الله فإذا أعان الله الإنسان عليه كتبت له النجاة منه ولا يستطيع إبليس أن يجعل للإنسان قرينا غير القرين الذي تغلب عليه الإنسان ، لأن البلاء بالقرين ينتهي بهذه الغلبة النخس عند الولادة : بدليل قول رسول الله صلي الله عليه وسلم : ما من مولد إلا نسخه الشيطان فيستهل صارخا من نخسه إياه إلا مريم وابنها [4] تحقيقا لإستجابة الله عز وجل لدعاء أم مريم (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (آل عمران:36)

الجري من ابن آدم مجري الدم :

عن علي بن الحسين عن صفية بنت حيي أم المؤمنين قالت : ” كان رسول الله صلي الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معلي ليقبلني – وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد – فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلي الله عليه وسلم أسرعا فقال النبي : علي رسلكما إنها صفية بنت حي فقالا :سبحان الله يا رسول الله !! فقال “إن الشيطان يجري من بني آدم مجري الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شر – أو شيئا” [5]

الحلم :

بدليل قول رسول الله صلي الله عليه وسلم : “الرؤية الصالحة من الله فإذا رأي أحدكم ما يحب فلا يحدث إلا من يحب وإذا رأي ما يكره فلا يحدث به وليتفل عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم فإنها لن تضره” [6]

الوسوسة :

التي هي مبادئ الإرادة فإن القلب يكون فارغا من الشر والمعصية فيوسوس إليه ويخطر الذنب بباله فيصوره لنفسه ويمينه ويشهيه فيصير شهوة ويزينها له ويحسنها ويخيلها له في خيال تميل نفسه إليه ، فيصير إرادة ثم لا يزال يمثل ويخيل ويمني ويشهي وينسي علمه بضررها ويطوي عنه سوء عاقبتها فيحول بينه وبين مطالعته ، فلا يري إلا صورة المعصية والتلذذ بها فقط وينسي ما وراء ذلك فتصير الإرادة عزيمة جازمة فيشتد الحرص عليها من القلب فيبعث الجنود في الطلب فيبعث الشيطان معهم مددا لهم عونا فإن سكنوا حركهم وإن ونوا أزعجهم كما قال تعالي :”أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ” [ مريم : 83 ] فالخطرة ثم الفكرة ثم الشهوة ثم الإرادة ثم العزيمة الجارفة ثم الذنب والصدر هو موضع الوسوسة وتأمل السر في قوله تعالي : ( الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) [ الناس : 5] ولم يقل في قلوبهم ، والصدر هو ساحة القلب وبيته ، فمنه تدخل الواردات إليه ، فتجتمع في الصدر ثم تلج في القلب فهو بمنزلة الدهليز له ، ومن القلب تخرج الأوامر والإرشادات إلي الصدر ثم تتفرق علي الجنود [7] ا . هـ .

وليس هناك أي علامة تستطيع أن نفرق بها بين الخطأ الذي يأتي من النفس والخطأ الذي يأتي من الشيطان لأن وسوسة الشيطان تزيين للنفس بحيث يبلغ هذا التزيين درجه الدافع الذي يأتي من النفس ذاتها ومنها العقد علي القافية : وهي موضوع البحث ونتعجب من إثارة شبهة بول الشيطان في أذن الإنسان من النصارى والنصوص الكتابية تثبت دخول كل الشيطان في كل جسم الإنسان وليس البول في الأذن فقط دخول الشيطان نفسه في الخنازير (و لما جاء الى العبر الى كورة الجرجسيين استقبله مجنونان خارجان من القبور هائجان جدا حتى لم يكن احد يقدر ان يجتاز من تلك الطريق* 29 و اذا هما قد صرخا قائلين ما لنا و لك يا يسوع ابن الله اجئت الى هنا قبل الوقت لتعذبنا* 30 و كان بعيدا منهم قطيع خنازير كثيرة ترعى* 31 فالشياطين طلبوا اليه قائلين ان كنت تخرجنا فاذن لنا ان نذهب الى قطيع الخنازير* 32 فقال لهم امضوا فخرجوا و مضوا الى قطيع الخنازير و اذا قطيع الخنازير كله قد اندفع من على الجرف الى البحر و مات في المياه* 33 اما الرعاة فهربوا و مضوا الى المدينة و اخبروا عن كل شيء و عن امر المجنونين* 34) (متى 7) كتبها / الشيخ رفاعي سرور

هوامش

[1] متفق عليه : البخاري في الوضوء 242/1 ومسلم في الحيض رقم 375 من حديث أنس رضي الله عنه

[2] متفق عليه : البخاري في بدء الخلق 3500/6 في الأيمان رقم 51 عن أبي مسعود رضي الله عنه (*) مر ذكره تخريجه (1) [متفق عليه] اخرجه البخاري في (الجمعة / بـ عقد الشيطان على قافية الرأس / ح 1142)، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها / بـ ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح / ح 776) من حديث أبي هريرة. (2) [صحيح] أخرجه البخاري في (الجنائز / بـ ما قيل في أولاد المشركين / ح 1386) من حديث سمرة بن جندب.

[3] بدليل قول رسول الله صلي الله عليه وسلم : أشد الناس بلاء : الأنبياء ثم الأمثل فا الأمثل . وقوله صلي الله عليه وسلم يبتلي المرء بقدر صلابته في دينه فإن علم في دينه صلابة زيد ابتلائه وإن علم في دينه رقة خفف من ابتلائه .صحيح أخرجه احمد 172/1 والترمذي رقم 2398 وغيرهم من حديث سعد ابن آبى وقاص .

[4] البخاري 212/8 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه [5] متفق عليه : البخاري 278/4 ومسلم رقم 2175 عن صفية [6] مسلم 2261 عن أبي قتادة رضي الله عنه [7] تفسير سورة المعوذتين لابن القيم


التعليقات