بديهيات غائبة في فهم الواقع

عقب انتهاء مشاجرة بين طرفين يرويان نفس الرواية لتفاصيل المشاجرة، فهل تصدق روايتهما أم تقدم عليها رواية من لم يشهد المشاجرة، ويقدم من تلقاء نفسه رواية مختلفة لما لم يكن طرفا فيه؟!

الإجابة بديهية ومنطقية، ستقدم رواية الطرفين المتشاجرين، هذه البديهية تغيب عن البعض عمدا أو غفلة عند تناول الأحداث والوقائع العامة، فمثلا:

١- ولاية سيناء استهدفت عددا من النصارى في العريش مما أدى لحدوث نزوح جماعي لهم من شمال سيناء، ثم اعلن فرع التنظيم بمصر مسؤوليته عن تفجير الكنيسة البطرسية، ثم أصدر فيديو بعنوان (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) هدد فيه بمزيد عمليات، وتضمن الإصدار في آخره وصية منفذ حادث الكنيسة البطرسية، ثم بعد ذلك نفذ التنظيم تهديداته، وتبنى استهداف الكنائس بطنطا والاسكندرية وحافلات في طريقها لدير بالمنيا.

نظام السيسي يتحمل المسؤولية عما آلت عليه الأوضاع في مصر، ولكن ليس من الصواب إنكار الواقع وتحريفه وتضليل الناس عن عمد.

على الطرف الآخر أعلنت وزارة الداخلية اكتشافها هوية منفذي التفجيرات، ونشرت صورهم، وقبضت على بعض عناصر التنظيم ونشرت صور آخرين مطلوبين، وفي إحدى محاولات توقيف عنصرين من التنظيم قُتل أمين شرطة بالأقصر، ثم قتل رائد شرطة في مداهمة بالصحراء في الصعيد وأصيب ٣ عناصر شرطة.

ثم بعد ذلك يأتي أحدهم ليقول بأن نظام السيسي هو من نفذ تلك الأحداث، عندئذ يكون هذا الشخص أحمقا في أقل أحواله. فنظام السيسي يتحمل المسؤولية عما آلت عليه الأوضاع في مصر، ولكن ليس من الصواب إنكار الواقع وتحريفه وتضليل الناس عن عمد.

٢- حدثت هجمات سبتمبر في أميركا، وتبناها بعد فترة تنظيم القاعدة رسميا، ونشر وصايا عدد من منفذيها، ونشر فيديو لتدريبات عناصر التنفيذ بأفغانستان على اختطاف الطائرات، وروى عدد من كبار قادته في مذكراتهم ولقاءاتهم خلفيات الأحداث والاختلاف في مجلس الشورى التنظيم حول القيام بالحدث من عدمه، مثلما في شهادة ناصر الوحيشي وأبوحفص الموريتاني.

وفي الجهة المقابلة أعلنت أميركا مسؤولية القاعدة عن الهجمات وشكل الكونجرس لجنة تحقيق في الأحداث، أصدرت تقريرا مفصلا عن الهجمات والثغرات الأمنية التي أدت إلى وقوعها، وقدمت توصيات لكيفية علاج تلك الثغرات، وكتب كبار قادة السي آي إيه مذكراتهم عن الأحداث وما سبقها من جهود في مكافحة التنظيمات الموسومة بالإرهاب، وشنت أميركا حملة مطاردة عالمية صفت فيها معظم قادة القاعدة من اليمن والصومال إلى أفغانستان وباكستان مرورا بالشام والعراق.

إذا متى نشكك في حقيقة الأحداث، نشكك فيها عندما تختلف رواية الطرفين.

ثم يأتي أحدهم ليقول مثل محمد حسنين هيكل إن الحادث من تنفيذ الصرب انتقاما من القصف الأميركي لصربيا، أو يزعم البعض أنه من تنفيذ الموساد، ويزعم آخرون أن أميركا ضربت نفسها لتبرير غزو العراق وأفغانستان!! حتى زعم أحدهم أن ٤ آلاف يهودي لم يتوجهوا لبرجي التجارة يوم الأحداث، ويكأنه في بيته علم ذلك بينما الأميركان تغاضوا عنه كرامة لإسرائيل، وقد سقط قرابة ٤٠٠ يهودي في الأحداث، بينما يزعم آخرون أن المباني فجرت من الداخل لاستحالة سقوطها بهذا الشكل، بينما تلك الظواهر يسعى العلماء لتفسير أسباب وقوعها لا لنفيها بناء على حسابات رياضية.

إذا متى نشكك في حقيقة الأحداث، نشكك فيها عندما تختلف رواية الطرفين، كما في حادث لاس فيغاس الأخير، فتنظيم الدولة أعلن مسؤوليت، ولم يقدم ما يثبت علاقة منفذ الحادث به خلاف المعتاد في كثير من عملياته من نشره لوصية المنفذ مثلا، وفي الجهة المقابلة ينفي الأميركان اعتناق المنفذ للإسلام أو وجود علاقة له بتنظيم الدولة.

فحبذا عند قراءة الأحداث أن نستحضر البديهيات العقلية والمنطقية في قراءة الواقع، فنفرق بين المعلومات والتحليلات، وبين ما اتفق عليه أطراف الحدث وما اختلفوا فيه، ونقيس الشئ على نظيره.


التعليقات