التشنج والمرونة في التعامل مع المستجدات

تشنج المرء وتعصبه لخيارات جامدة آفات تصيبه بالشلل في التعامل مع المستجدات، وبالمثال يتضح المقال:

خلال عنفوان تجربة الجماعة الإسلامية في عهد مبارك، رأى البعض أن التجربة لا تحمل مقومات النجاح والاستمرار، فعملوا على توظيف الهوامش الموجودة للدعوة ونشر المفاهيم وترسيخ قضايا الحاكمية والولاء والبراء، ثم في نهاية التسعينات انتهت تجربة الجماعة بتبنيها لمبادرات وقف العنف، ووصل الحال ببعض رموزها مثل الشيخ (كرم زهدي) إلى وصم مبارك بولي الأمر، وإن كان هذا لم يلق قبولا بين قواعد الجماعة، ومن ثم أزاحت الجماعة أميرها في أول انتخابات داخلية عقب الثورة.

ثم جاءت مرحلة الانقلاب وما تلاها وأسفر النظام العسكري عن وجهه الحقيقي القبيح دون حرص على تجميل أو رتوش، وتعرض الإسلاميون لأعتى موجات القمع في تاريخ مصر الحديث

في مرحلة ما بعد سبتمبر تم تمرير القنوات الفضائية الدينية والسماح من قبل الدولة بترميز شخصيات تعتني بقضايا بعيدة عن قضايا الواقع وأزمات المسلمين المعاصرة مع ثناء بعضهم على مبارك، ولم يرض البعض بذلك فاستمروا في خطهم الدعوي السابق في ظل تضييق وحصار شديد، ثم جاءت الثورة فكانوا من المساهمين فيها بينما شيوخ الفضائيات ما بين مخذل عنها أو ساكت، وقد حقق دعاة الفضائيات قدرا من التأثير الذي مثل خطوة إيجابية ونقلة في حياة الشباب، وهذا من مكر الله بأعداءه.

خلال مرحلة ما بعد الثورة كانت هناك مساحة من الفراغ السياسي إن شكله فلول نظام مبارك والعلمانيون بمفردهم لظل حق الإسلاميين في الحكم مسلوبا، ولاستمروا في العيش كمواطنيين من الدرجة الثانية ليس لهم حق سوى في دخول السجون والمعتقلات حتى وإن تخلل ذلك بعض المكتسبات الهشة.

ثم جاءت مرحلة الانقلاب وما تلاها وأسفر النظام العسكري عن وجهه الحقيقي القبيح دون حرص على تجميل أو رتوش، وتعرض الإسلاميون لأعتى موجات القمع في تاريخ مصر الحديث، وحتى الأن لم يتمكن أي تيار من تياراتهم من اسقاط الانقلاب، فلا السلمية نجحت، ولا التيارات الجهادية تمكنت من كسر الجيش، وهو ما يفرض واقعا يحتاج لمراجعات وتحديد مكمن الخلل وحيازة الأدوات التي تكفل الاستفادة من أخطاء الماضي لتحقيق نجاحات حالية ومستقبلية.

الشاهد أن الجمود على خيار واحد لا يراعي معطيات الواقع يعني الفشل في النهاية، وأنه لابد من المرونة والتفاعل مع المستجدات في ضوء محكمات الشريعة وقواعدها الكلية والسنن الكونية.

وقد عاصر الجيل الحالي تجربتين مهمتين:

التجربة المصرية التي روج لها عقب ثورة يناير أنها أثبتت أن الرهان على الشعوب هو الرهان الناجح، وأن الثورات السلمية هى وسيلة التغيير الأقل كلفة والأكثر نجاعة، وأن خيار القوة لم يجلب سوى العنف والدمار، ثم وقع الانقلاب، واكتشف من لم يكن يعرف أن غياب القوة يعني أنك فريسة للذئاب.

تجربة تنظيم الدولة التي روج لها أنها أثبتت أن خيار القوة هو الخيار الوحيد الناجع، وأنه نجح في السيطرة على مساحات شاسعة وإقامة دولة عليها، وأن السلمية لم تجلب سوى المذابح والمجازر، ثم بمرور الوقت سقطت المدن بيد الأعداء، وأبيد معظم سكانها وقُتل مئات الآلاف، وانكشف عوار التجربة بكافة أبعاده للجميع، فالقوة غير الرشيدة والغلو مآله الفشل.

الشاهد أن الجمود على خيار واحد لا يراعي معطيات الواقع يعني الفشل في النهاية، وأنه لابد من المرونة والتفاعل مع المستجدات في ضوء محكمات الشريعة وقواعدها الكلية والسنن الكونية.


التعليقات