قضية المرأة ونظرية السيادة

من الأخطاء المنهجية التي يقع فيها كثير من الغيورين على دين الإسلام العظيم؛ أنهم يتخذون موقف المفسر أو المفصل أو المدافع أو الشارح لموقف الإسلام في قضية ما كقضية ميراث الذكر وكونه مثلي ميراث الأنثى في بني الرجل الواحد، أو قضية تعدد ازواج النبي، أو مسالة التعدد بشكل عام والجهاد وحجاب المرأة وغيرها من القضايا.

فكل قضية تطرحها الجاهلية إنما هي لتمرير وتبرير أخرى مشينة يراد ستر عوارها، وبينما تطرحها بافتراضات وهمية أو أخرى بعضها قائم بالفعل ولكنه إنما قام موافقة لطبائع البشر استقامة وانحرافاً؛ لا لاعوجاج المنهج.

ورغم أنه جميل منهم أن يقوموا بدراسة منهجية لباب الفرائض (المواريث) ككل ليثبتوا أن الأنثى ترث أكثر من الذكر في ثلاثة وعشرين حالة، وكذلك جهودهم في تحليل زيجات رسول الله ﷺ وأنه مأمور بها؛ فهو مخير في الطلاق غير مخير في الزواج، وليُفْرِطُوا في تبيان أبعادها التشريعية والإنسانية والاجتماعية والسياسية، وسابقاتها التاريخية لغيره من أنبياء الله ورسله، ويلحق بهذه القضية مسألة التعدد بشكل عام وحِكمتها التشريعية، وحكمة فرض الجهاد ومميزاته وآثاره إلى غير ذلك.

لكن ذلك غير جدير بهم في هذا الموقف تحديداً؛ أعني موقفهم في مقابل من يهاجمون الإسلام في الجهاد والمواريث والحجاب والتعدد وتزويج النبي الأكرم ﷺ وغيرها من القضايا، أو إن شئت فقل انه منقوص في أفضل أحواله ومآلاته، وغاية ما يقبل من ذلك هو ما نص عليه الشيخ رفاعي سرور في حكمة الدعوة من اغتنام الفرصة لإظهار حقائق المنهج وعرضها على الجماهير، وكذلك عدم تصوير المنهج بأنه منهج هروبي؛ فهو قادر على الصمود والمواجهة مطلقاً وإخضاع الخصوم بالسيف والسنان والحجة والبيان، شريطة عدم الانسياق في تفاصيله الجزئية إلا بالقدر الذي يفي بالمقام فحسب.

لكن ذلك لا يكفي وحده فإنما يبدو حينئذ كمحاولة استجداء الإعجاب أو الإفلات من مأزق رغم عظمة ما فيه من حقائق هائلة، وإنما لابد من كشف كافة الألاعيب الجاهلية الساذجة والتي -ياللعجب- كثيراً ما تخيل على عقول عامة البشر مؤمنهم قبل كافرهم!!

فإذا أرادت الجاهلية نقض قضية كالحجاب على سبيل المثال وطنبوا فيها وحاولوا فض حجاب المسلمة باختلاق مشكلات وهمية أو افتراضات صبيانية، فلابد من الإشارة إلى أنهم يفعلون ذلك لستر فضيحة التعري والفسوق المبتذل المهين الذي تعيشه المرأة في غيبة الإسلام واقعاً لا فرضية فيه ولا أوهام.

وإن تناولوا الدين باعتباره سبباً للصراع في ذاته او أن الجهاد هو سبب للحروب والعدوان بنفسه، فإنما يفعلون ذلك للتغطية على قتلهم الملايين من أجل الدين وغيره كالسيطرة على مقدراتهم وثرواتهم بل وأوطانهم وإحلال أمة مجرمة محل أمة أخرى بائدة، بل وسائر حروبهم الدموية الرهيبة التي احرقت العالم بين أبناء الدين الواحد والجنس أو العرق الواحد.

القضية برمتها هي صراع على “سيادة المنهج”؛ لا على نفس هذه القضايا؛ فهم يريدون عصمة دماء مجرمة أهدرتها الشريعة -ولا تهدر إلا مجرماً- ليبيحوا دماء بريئة أهرقوها بالملايين في كل بقاع العالم!!

وكذلك فإن قضية كالتعدد إنما يرادفها اتخاذ الأخدان وتجارة الأبدان والعهر والخنا واستباحة الفروج بغير ضابط أو رابط في واقع الجاهلية المنحرف البغيض، وأما تعدد ازواج النبي ﷺ فهو سنة كثير من الأنبياء أيضاً، سواء آمنوا بهم أو كذبوهم كمحمد رسول الله ﷺ، فما خصوصيته في ذلك إذاً؟!

وهكذا فكل قضية تطرحها الجاهلية إنما هي لتمرير وتبرير أخرى مشينة يراد ستر عوارها، وبينما تطرحها بافتراضات وهمية أو أخرى بعضها قائم بالفعل ولكنه إنما قام موافقة لطبائع البشر استقامة وانحرافاً؛ لا لاعوجاج المنهج.

والحاصل أيضاً أنه لكل قضية تثيرها الجاهلية -بلا استثناء- ما يقابلها في مناهجها واعتقاداتها الباطلة مما يندى له الجبين، حتى بدا ذلك وكأنه حتمية قدرية أو سنة مطردة، فلا ينبغي إذن التركيز على شبهاتهم والدوران في أفلاكها التائهة بقدر ما نركز على إظهار مثيلاتها الضالة في المنهج الجاهلي نفسه.

كما أن ذلك يكشف أن القضية برمتها هي صراع على “سيادة المنهج”؛ لا على نفس هذه القضايا؛ فهم يريدون عصمة دماء مجرمة أهدرتها الشريعة -ولا تهدر إلا مجرماً- ليبيحوا دماء بريئة أهرقوها بالملايين في كل بقاع العالم!! نعم إنهم يريدون الدماء والحروب والدمار والقتل والقتال لكن شريطة ألا يكون جهاداً بأمر الله!!

كما يريدون كشف ستر الله عن إمائه والمنازعة في نزاهته أو نزاهتهن، إذ الرقيق عندهم مباح -الأسود منه والابيض- حتى شذوذ النساء والرجال وانحطاطهم إلى مسوخ الفطرة البشرية بما لا تطيقه الشياطين أنفسها!!

فهم يتبعون الشهوات ويبغون الفساد ويعشقون الجنس المنفلت والتعدد بأنواعه، لكن بشرط ألا يكون بكلمة الله التي قال رسول الله ﷺ فيها: (واستحللتم فروجهن بكلمة الله) وهي الفارق بين السفاح والنكاح، تحفظ الأنساب وتحدد الأزواج وتكفل الحقوق وتوجب الحد على العاهر والإرث للحي بعد الميت.

لا تشرحوا لهم شيئاً فإنما الشرح للمتعلم، ولا تفسروا لهم ما دلت انتقائية الشبهة على معرفته ووضوحه، ولا تضعوا ألسنتكم حيث وجبت سيوفكم كما نهيتم عن وضع اسيافكم موضع ألسنتكم، وبادروهم بالهجوم والتنكيل وأصروا على سيادة منهجكم وعضوا عليه بالنواجذ وذبوا عنه إن -تحتم- بالصوارم.


التعليقات