لم اليأس؟

تسيطر على البعض حالة من اليأس تقتل الفاعلية وتنحدر بالعقل ، فيعيش أصحابها في أجواء من الكآبة والاستسلام، بينما الشواهد التاريخية والمعطيات الواقعية والواجبات الشرعية تحض على خلاف ذلك.

معظم المسلمين يتمنون أن لو عاشوا في عهد النبوة ، فهل كان عهد النبوة إلا عهد بذل وعمل وجهاد وتضحية في أصعب الظروف وأبعدها عن تحقيق النصر بمعطياته المادية .

فإن قال البعض يكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بين الصحابة موجها لهم وقائدا ، فيدحض تبريرهم للقعود آن كتاب الله وسنة نبيه باقيان يرشدان الأمة ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا).

بل حتى في العهد الأول ، كان للصحابة مبادراتهم الذاتية وفاعليتهم في مواجهة الخصوم ، من سرية أبي بصير التي أثخنت في قريش وتجارتها ، إلى ايقاع نعيم بن مسعود بين قريش واليهود وافشال مخططاتهم ، فكان لكل مسلم دور في الصراع ، ولو تمثل في أقل القليل من توفير معلومات للمسلمين عن خصومهم وتحركاتهم .. وهى أمور هامة ما بقيت في الحياة صراعات وحروب بين أهل الإيمان وخصومهم.

وها هى سجون مبارك ، شحنها في عهده بكثير من المسلمين..فمنهم من عاش أجواء اكتئاب ويأس ، فلم يستفد من فترة سجنه كبير فائدة ، ولم يفد الأمة بشئ يذكر عقب خروجه ، ومنهم من استفاد بوقته في تطوير نفسه بدنيا وشرعيا وفكريا ..وأفاد الأمة بذلك بعد الثورة.. فتجدهم في ربوع الأرض وساحات الصراع منهم القادة ومنهم طلبة العلم ومنهم المجاهدون ، ولو كانوا يأسوا كما يأس الآخرون لما أدوا دورهم الحالي التاريخي.

فإن كان خصومنا كثر ، فنحن أيضا كثر ، فحاضنة الإسلاميين في مصر وحدها تقدر ببضعة ملايين ، وشبابهم بمئات الآلاف على أقل تقدير .. وهؤلاء لا يكفي عددهم لإحداث التغيير في مصر فقط بل يكفي لتغيير المنطقة بأسرها إن فعّلوا أنفسهم وبادروا بنفض غبار اليأس .

وها هى تجارب من حولنا ترينا كيف بشعب محاصر في غزة يصمد في وجه إسرائيل بعنفوانها في حرب الفرقان عام ٢٠١٤، وكيف استطاع بضعة مئات من الأفراد كسر شوكة عدة فرق من الجيش العراقي في معركة السيطرة على الموصل .. والأمثلة في ذلك لا تعد ولا تحصى … والشاهد منها أن العبرة ليست بالأعداد وفقط بل بالإيمان الذي يضخ الفاعلية في الشخصية المسلمة.

وقرآننا يوجب علينا عدم اليأس “ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون” ويخبرنا أن الأيام دول” وتلك الأيام نداولها بين الناس،وأن الله لا يصلح عمل المفسدين ، وأن العاقبة للمتقين.


التعليقات