المداخلة ومقتل الشيخ نادر العمراني

عندما نتكلم عن مقتل شيخ وداعية إسلامي فمن الطبيعي أن نقول قتلته أذرع الصهيونية العالمية أو المخابرات الأمريكية أو الطائرات الروسية أو حتى أحد الأنظمة القمعية في بلادنا العربية، لكن أن نقول قتلته حركة وجماعة إسلامية غير “داعش” فهذا ما قد لا يصدقه عقل ويعجز عن كتابته قلم ولا يحسن صياغته لسان.

تعالوا نتعرف أولاً على الشيخ نادر العمراني رحمه الله، مواليد 1972 بمدينة طرابلس-ليبيا، حاصل على الدكتوراه في الحديث الشريف وعلومه من قسم الدراسات الإسلامية جامعة طرابلس عام 2010م.

يشغل منصب عضو مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء الليبية، عضو رابطة علماء المسلمين، نائب رئيس رابطة علماء المغرب العربي، وكان مُكَلّفا بمراجعة القوانين الليبية وإعادة صياغتها بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية.

بالطبع ليس قصدي هو الحديث عن الشيخ بالتفصيل، لذلك اختصرت التعريف به، ولكني أريد الحديث عن المجرمين الذين قاموا بقتله.. نعم بقتله.. فهم لم يقوموا بدور الإرشاد والإخبار والوشاية كما يفتي بِحِلِّ -بل- بوجوب ذلك شيوخُهم، ولم يقوموا بصياغة فتوى أو إلقاء خطبة لجنود “حفتر” تبيح دم الشيخ كما فعل “محمد سعيد رسلان” بخصوص معتصمي رابعة والنهضة في مصر.

إنهم بنص اعتراف أحد المشاركين في الجريمة “خططوا ورصدوا وخطفوا وقتلوا”، قتلوا الشيخ وهو يردد لا إله إلا الله، وقد كان يرددها طيلة حياته، ونحسب أنها من علامات حسن الخاتمة، كما في الحديث الصحيح “من كان آخر كلامه في الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة”.

لقد عاتب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أسامةَ بن زيد لأنه قتل رجلاً من المشركين في معركة قتل الرجل فيها من المسلمين ما قتل، حتى سقط سيفه من يده وعلم أنه مقتول لا محالة، قال لا إله إلا الله فقتله أسامةُ رضي الله عنه، فلم يقبل رسولُ الله هذه الأعذار، وظل يسأل مستنكرا: “أقتلته بعد أن قالها.. أقتلته بعد أن قالها؟!”

إنهم قتلوه بعدما خطفوه أو كما يحلو لهم أسروه..
فلماذا لم يحاكموه إذا كان مجرماً يستحق العقاب؟
لماذا لم يستتيبوه إذا كان مرتداً يستوجب الحد؟
ولماذا لم يصوروا اعترافاته التي قادته إلى هذا المصير وينشروها ليعتبر بعد ذلك أمثالُه؟

لن أتكلم كثيرا عن حرمة الدماء وخاصة دماء المُصَلِّين “حيث خطفوا الشيخ من المسجد قبل إقامة صلاة الفجر” والمفترض عند المسلمين أن أهل صلاة الفجر في جماعة في ذمة الله عز وجل، لكني سأتكلم عن فكر ومنهج القتلة، من أتباع “محمد أمان الجامي” و”ربيع بن هادي المدخلي” و”محمد سعيد رسلان”.

هذا الفكر الذي ترعاه دول عربية كبرى، وتنفق عليه ملايين الدولارات، وتفسح له في الإعلام ساعات وصفحات، وتنشر له الكتب والمقالات.

إنني بالطبع أتحمل مسؤولية ما أقول، ولن أكتفي بما ذكره أحد شركاء الجريمة في اعترافه بأن مفتي هذه الجماعة وأحد شخصين قاما بتفريغ خزانات “كلاشين كوف”، الخزانة الواحدة 36 طلقة في جسد ورأس الشيخ العمراني رحمه الله المدعو “أحمد الصافي” هو أحد تلاميذ “محمد سعيد رسلان المصري” المحرض لجنود السيسي على قتل المتظاهرين السلميين من جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم.

لكني أزيدكم ببعض فتاوى وآراء شيوخهم الضالة والمنحرفة عن منهج السلف الصالح الذي يدّعون كذباً وزوراً الانتساب إليهم، بل قد زاغوا عن منهج الإسلام نفسه، وهذا الذي سأذكره ما هو إلا نقطة في بحر تهكمهم وتنقصهم من العلماء والدعاة الذين تعرضوا لابتلاءات شديدة بسبب دعوتهم ونصرتهم للإسلام والمسلمين، وهي منشورة معلنة، لكن تأتي جريمة قتل الشيخ العمراني لتفضحهم أكثر وسط المسلمين عموماً والدعاة وطلبة العلم خصوصاً.

1- أول هذه الكلمات ما قاله الجامي في محاضرة له عند هجومه على كتاب “منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله” حيث قال عن مؤلفه وهو الشيخ “محمد سرور” رحمه الله “وهو ملحد إلحاد لا يشك فيه طالب علم”، وقد رد عليه بعضُ الحضور وصفه للشيخ سرور بالإلحاد، فقال في المحاضرة التي تلتها “استغرب البعض وصفي له بالإلحاد، فما بالكم لو قلت إنه كافر؟ وقد تحفظت في القول إنه كافر مرتد”، هذا نذر يسير من كلام الجامي في عالم من علماء العصر عاش أكثر من نصف عمره مطاردا بسبب نصرته لقضايا المسلمين.

2- يقول ربيع المدخلي في سيد قطب رحمه الله “أنا ما أكفره، لكن هذه كفريات، وأجمعت الأمة أن من ينتقص نبياً كفر ، وأنا ما كفرته، أبغي العلماء يكفروه، وفي العلماء أمل يكفروه إن شاء الله تعالى”، يعني هو يقول إنه لا يكفر سيد قطب، ولكنه يريد من العلماء أن يكفروه.

ويقول ربيع أيضًا في شريط صوتي: “الإخوان المسلمون أضر على الإسلام من الكفار الواضحين”، فهو يجعل جماعة إسلامية -مهما اختلفنا معها- أشد ضرراً على أمة الإسلام من أعدائها الذين يقتلون المسلمين في كل عصر ومصر، وفي نفس الوقت لم نر له ولا لأحد من أتباعه أي موقف يُذكر في نصرة قضايا الأمة.

ولما رد عليهم الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتاب “تصنيف الناس بين الظن واليقين” وفي رسالته المسماة “الخطاب الذهبي” نقلوه من دائرة العلماء إلى دائرة السفهاء، وضلّلوه وبدّعوه وفسّقوه دون أدنى حرج بعدما كانوا يمدحونه ويثنون عليه.

3- “محمد بن ربيع المدخلي” في مداخلة هاتفية على قناة البصيرة مع “محمود الرضواني” في شهر مايو 2014 يقول “نحن مسرورون بحركة “حفتر”، ونسأل الله أن ينصره بدون سفك دماء كثيرة إن شاء الله، إذا كان عند “حفتر” قوة يفعل كما فعل السيسي، يعتقل الرؤوس الكبار ويدخلهم السجن حتى يمشي الشعب وراءه بكل راحة وهدوء بإذن الله”.

وقد تشكل في مايو 2014 فصيل باسم “كتيبة التوحيد السلفية”، وقد دعا “ربيع المدخلي” مؤخراً لتوحيد الجهود ضد جماعة الإخوان في ليبيا، وشنَّ حرباً ضروساً على الشيخ “الصادق الغريانى” مفتي ليبيا المناصر للثورة الليبية والمحبوب بشكل كبير من عموم الشعب الليبي.

إذن.. فقد اعترفت الجامية المدخلية الرسلانية “وعلى خطاهم تسير البرهامية” بأنهم هم قتلة الشيخ نادر العمراني، وأنهم يقومون بقتال المسلمين مباشرة إذا خلت دولة مسلمة من الحكومات العميلة التي يؤيدونها ضد المسلمين حال وجودها، فخلاصة منهجهم هو تكفير دعاة الإسلام واستباحة أعراضهم واستحلال دمائهم.

وبالتالي فلن يتوقف خطرهم عند هذه الجريمة إلا إذا تداعى علماء الأمة وقادتها ومفكروها للتحذير منهم ومن ضلالاتهم وانحرافاتهم دون مواربة، وبيان كذب انتسابهم للشيخ “محمد بن عبد الوهاب” رحمه الله وللمنهج السلفي الذي يزعمون أنهم حماته وحملة رايته.

رحم الله الشيخ الشهيد بإذن الله نادر العمراني، وخالص العزاء للأسرة الكريمة ولأحرار ليبيا الأبطال.
وأسأل الله أن يأجرنا في مصيبتنا وأن يخلف علينا خيرا منها.
والله من وراء القصد..


التعليقات