استدعاني التاريخ لأنصفه من المالكي

لابد من قراءة التاريخ جيدا، واستنباط حركة المجتمعات البشرية منه، بل ورد وقائعه إلى الله والرسول وإلا فإن استمرار تجاهله بهذه الصورة الخطيرة بدعوى أن الأولين سكتوا عن التاريخ أو بعضه؛ يحدث أمرين أحدهما أخطر من الآخر:

• يعطل فعالية الأمة كلها عن العمل وتغيير مسار التاريخ وإعادة ترسيم الجغرافيا.

• ويترك المجال للكَذَبة والخائنين وورثة الإمبراطوريات البائدة لسرقته والعبث به بغية إعادة أمجادهم التي يرون أن الإسلام أسقطها؛ بل ويحاكمون الشرع إلى ما يظنونه “التاريخ”، حتى يظن الناس الحق باطلا ويمردون عليه فيصير لهم دينا وتاريخا أيضا!!

وإذا ضربت لهذا مثلا فبالعداء الصفوي الرديء لسيدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنه، فهو فتح فارس وكان منشغلا بالمدينة لحداثة عهد الخلافة وبعد حواضر العراق، مما اضطره لبناء الكوفة كحاضرة متوسطة تصلح مرتكزا للدولة الإسلامية في توسعها وأمميتها الجديدة، هذا التوسع الذي جعل مكة والمدينة في موقع منزوي بالنسبة لجغرافية الأمة الجديدة والعظيمة آنذاك أيضا، وهذه الكوفة هي التي اتخذها سيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عاصمة لخلافته المجيدة.

لكن القومية الفارسية العتيدة لم تنس لأمير المؤمنين عمر ما اعتبرته “جريمة” هزيمة فارس، فهو الذي أدال الله به دولتهم فمزق ملك كسرى أي ممزق؛ حتى صار بنو الفرس عبيدا وإماء للمسلمين وأغلبهم من العرب آنذاك.

والنفسية الفارسية معتزة جدا ومعتدة جدا أيضا، حتى بلغت في ذلك مبلغا لم تصله أمة من الأمم، كما وأنهم ثقافيا كانوا أمة تعيش على الأساطير وتعبد الميثولوجيا حتى أن ديانة زراديشت الأسطورية والملحمية قائمة بينهم حتى اليوم في بلاد إيران فارس، فأدى ذلك إلى خصوبة المخيلة الفارسية -المنكسرة والذليلة والمهيضة آنذاك-؛ في ترويج الأساطير المفزعة والمبغضة لأمير المؤمنين عمر باعتباره عدوا تاريخيا ووحشا أسطوريا مرعبا وسيئا ومدمرا، حتى كان أبو لؤلؤة المجوسي يمسح رؤوس أبناء فارس في السبي ويقول أكلت “العرب” كبدي أو يقول: أكل “عمر” كبدي!!

هكذا إذا وبنفس العجمة في قلب ولسان صاحبهم الأول؛ تلوك ألسنة أبناء المجوسية -ولا أعني بها كل الفرس ولا كل الشيعة- اسم عمر وسيرة عمر وتكذب عليه بنفس الأفاكي والأكاذيب!!

بينما نقل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه الشريف- عاصمتنا إلى الكوفة لأول مرة وكأنها كانت هدية عمر له، وياليته ما أهداها فلم يلق أهلها من علي إلا كل خير، وما أهل الخير عليها ولا على أهل العراق بمثله رضي الله عنه، وما رأي ولا بنوه وآله؛ وصبا ولا نصبا ولا خذلانا وخيانة؛ بمثل ما لقي من أهلها.

لكن الشاهد هنا أن أهل العراق ومنهم كثرة من الفرس والموالي، لم يبلغهم عن عمر إلا شدته وما فعله بآلهتهم وإمبراطوريتهم، أما من لقيه من عقلائهم فأسلم وحسن إسلامه كالهرمزان، اللهم إلا عبدا خسيسا جاء بأحقاد فارسية وأضغان مجوسية ليحز الحق من غير احترام ويمزق بخنجره المسموم بطن وزير النبي في محراب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

بينما عايش الفرس في الكوفة عليا وما من فتى إلا علي، ومن ذا الذي يبايع عليا ويعطيه صفقة يده ولا ينعم بخلافته أو تأسره كل معاني الديانة والرجولة والشهامة، وهو من أسبق الناس في هذا الأمر مذ جاء جبريل وهو في حجر الرسول، وبالإضافة لكل صفاته العظيمة؛ فقد كانت له أخرى حلوة جليلة؛ إذ كان عادلا في غير شدة رحيما في غير ضعف، فمثل مظلة حماية ضافية للمستضعفين والموالي وعلى رأسهم الفرس الذين صيرهم الكفر عبيدا ورقيقا، فأحبه القوم وهاموا به وغلوا فيه أيما غلو، وبنفس العقلية الأساطيرية التي تجعل البطل إلها للنور والخير أو نصف إله، بينما تجعل العدو إلها للظلمة والشر.

وبهذه المناسبة فقد ساءني ما قرأت من كلام كتبه الأستاذ حسن بن فرحان المالكي؛ يمس تاريخ الفتوحات الإسلامية المجيدة ويزعم أنها اتجهت شمالا فقط في المجتمعات الأوربية ذوات البشرة البيضاء ولم تتجه جنوبا صوب إفريقيا!!

وهي شبهة من الدنو بحيث لم يكن لمثله أن يتورط بمثلها، يكذبها الله ورسوله والمؤمنون ودماء في الله سفكت؛ غريبة بعيدة عن أرضها وأهلها، من أصحاب خير البرية وأبنائهم ومن تابعهم، أراقوها حسبة لله وجعلوها وقفا على دينه لأمته، بل وينفيها الشرع والتاريخ والجغرافيا، ولابد لي من العودة وإفراد المقالات فيها إن يسر الله.

ثم أنني لاحظت بالنظر السريع تكرارها أو قريب منها عنده؛ بصيغ مختلفة، ورغم قلة قراءتي لما يكتب الرجل وعلمي بتوجهه منذ زمن، ولما لم أك من سلفية أولياء الأمور فلم أكن لأحمل على الرجل تكفيرًا وتبديعًا كما فعلوا؛ لمجرد طرحه رأيًا يحتمل في بعض أوجهه وفيه حق وباطل وخلط -أؤكد؛ فيما قرأت له، إلا أنني لم أكن أظن أن يردد بعض الشبهات الرافضية- رغم علمي أنه ليس كذلك ونفيه هو لذلك- وهي نفس الشبهات (الاستشراقية/العلمانية) وأكثرها مبنية على الأولى.

وإني لو كنت ساعتها يوم فتوحات الشمال هذه؛ لرعيت إبل العرب خيرًا من أن أعبد نيران المجوس، والأمر أشنع من الخطأ في رأيي وسأفصل فيه تفصيلا إن شاء الله.


التعليقات