خط الصراع وتساؤلات الواقع

مر الصراع بين المجتمعات المسلمة وأعدائها بمراحل متعددة، وباستعراض مراحل هذا الصراع من خلال النموذج المصري،نصل لاستنتاجات هامة تمثل بوصلة ترشدنا لاحتياجات الواقع ومتطلبات المستقبل:

-في مطلع القرن١٩ تصدى المجتمع المسلم لحملة نابليون الفرنسية وحملة فريزرالإنجليزية ؛فبالرغم من هزيمة القوة العسكرية المسلمة الموجودة آنذاك والممثلة في المماليك في عدة معارك ضد الفرنسيين كمعركة إمبابة إلا أن صغار طلبة الأزهر والتجار والعامة لم يرضخوا للاحتلال،إنما دشنوا ضده حراك جهادي استنزف جهود المحتل وجعل فاتورة بقاءه مرتفعة، حتى انتهت الحملة بالفشل لعدة أسباب دولية ومحلية.

-في نهاية القرن ١٩ ومع دخول الانجليز مصر، حكموا البلاد حكما غير مباشر؛من خلال الاحتفاظ بالأسرة العلوية في سدة الحكم وبتبعية مصر السياسية والقانونية للدولة العثمانية، وإدارة البلاد من خلال مندوب سامي ومستشارين في الوزارات يوجهون نصائح إلزامية للوزراء،وتم تغيير بنية المجتمع بشكل متدرج ؛إلا أن الحراك المناهض للاحتلال آنذاك ظل له نفس إسلامي ممثلا في مصطفى كامل والحزب الوطني بتشكيلاته المتنوعة كجمعية التضامن الأخوي،وبتتابع الأحداث اندلعت ثورة ١٩١٩ بشكل عفوي،ولكن تم احتوائهاوتفريغها من هويتها الحضارية من خلال القيادات السياسية العلمانية؛ إلى أن حل حزب الوفد محل الحزب الوطني في صدارة المشهد السياسي آنذاك.

-بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتهاوي الإمبراطورية البريطانية؛وبداية عصر النفوذ الأميركي والسوفيتي وتصاعد الحراك المناهض للاستعمار؛ بدأت مرحلة الاستقلال الشكلي؛ وتسليم الحكم من المستعمرين القدامى لؤكلاء محليين تسلموا الحكم بانقلابات عسكرية؛وتسارعت سياسة دعم القومية العربية لتفكيك اللحمة الإسلامية المتبقية؛ولمناهضة المد الشيوعي المتصاعد.اهتمت آنذاك الحركة الإسلامية بمد جذورها وتوسيع نطاقها ثم تبنت خطاب مناهض للاستعمار بل وساهمت في القتال ضد اليهود بفلسطين ؛ومن ثم بدأت الحكومات الوطنية المزعومة في اللجوء لسياسة سحق التيارات الإسلامية؛ثم مع انهيار النموذج القومي بتفكك الوحدة المصرية السورية ثم هزيمة١٩٦٧ وموت عبدالناصر؛وعودة الحركة الإسلامية للمشهد العام مرة أخرى ؛انتشر الاهتمام بتعلم العلوم الشرعية؛والحديث عن تحكيم الشريعة وصلته بأصل الدين ؛وطرح تصورات متنوعة لمناهج التغيير المنشودة،مع التركيز على نقد الأفكار الهدامة كالشيوعية والقومية والعلمانية .

-مع مطلع الألفية الجديدة بدأت مرحلة جديدة من الصراع تأثر فيها بالعولمة وثورة الاتصالات وانتشار الفضائيات وشبكة المعلومات وتفكك الدول القومية وازدياد أعداد الشباب؛ فكانت أحداث سبتمبر بداية لحرب عالمية غير مسبوقة بين الغرب وحلفائه وبين التيارات الإسلامية تحت مظلة مكافحة الإرهاب، إلى أن اندلع الربيع العربي ووصل لسدة الحكم إسلاميين لأول مرة في ظل عملية سياسية تجري وفقا للمعايير الغربية ليجد الإسلاميون أنفسهم في ظل أوضاع لم يستعدوا لها،إنما كانت تلك المرحلة تمثل لهم في الحقيقة أماني وأحلاما منشودة دون وجود رؤى متكاملة أو حتى تصورات واقعية لإدارة المشهد؛ثم سرعان ما بدأت موجة الثورات المضادة ؛ لتتحول بعض الثورات إلى حروب أهلية وطائفية ولتعود المؤسسات العميقة لتحكم دولا أخرى من جديد في ظل مجازر دموية وحملات تكسير عظام غير مسبوقة،مما يطرح تحديات جديدة على الحركات الإسلامية لابد أن تسعى للإجابة عليها مثل:

-ما هو تصور تكوين وإدارة دولة إسلامية في ظل المحيط الدولي والإقليمي والمحلي المعادي؟

-ما الخطاب الذي ينبغي تصديره لعموم الأمة لرفع وعيها ودفعها للنهوض ولايقاف مخطط عزل الحركات الإسلامية عن بقية الأمة؟

– كيف يتم استعادة هوية وبنية المجتمع المسلم الذي تعرض للتغريب والتغيير طوال قرنين.

إن من سيقدم إجابات عن أسئلة الواقع هو من سينجح في المستقبل؛ أما من يهدرون أوقاتهم في قضايا قتلت بحثا وتأصيلا، أو نزاعات بينية على مناصب ونفوذ ؛فإنما يمثلون عوائق لنهضة الأمة؛وستتجاوزهم الأحداث مثلما تجاوزت غيرهم سابقا.


التعليقات