يا عزيزي كلهم رافضة !!

مازالت إيران تبلور مشروعها العالمي، وكانت تعي جيدا أن ذلك لن يتأتى إلا بدعمها لجميع الفئات الشيعية في العالم، وليس فقط الشيعة الإمامية، ولكنها تعدتها لاحتواء فريقا من الزيدية (الحوثيين)، والشيعة العلوية النصيرية، كما احتوت من يرفضون نظرية “ولاية الفقيه” كبحر العلوم والصدريين وغيرهم.

عمدت المملكة السعودية إلى تصدير المذهب مع النفط، وعاد العاملون من كافة دول العالم الإسلامي إلى بلادهم بأموال اكتسبوها من عملهم في السعودية وبأفكار ومبادئ الحركة الوهابية كذلك..

وقد عمدت في خضم ذلك إلى تذويب الخلافات العقائدية والمذهبية بل والعنصرية؛ داخل البيت الشيعي.. وتعد أهم خصائص المشروع الإيراني الخميني؛ أنه نشأ كثورة حقيقية ضد الإمبراطور المستغرب؛ شاه شاه محمد رضا بهلوي وكل عصابته المتأمركة؛ بدافع عقائدي ذاتي؛ نعم قد يقبل العمل والتوازي مع بعض القوى الغربية أحيانا ولكن لخدمة المشروع الشيعي الأممي لا عمالة لأعدائه..

في مقابل المشروع الوهابي السعودي والذي نشأ كحركة إصلاحية دعوية، ثم تحول لتحقيق رؤيته في الإصلاح ضد الصوفية وممارساتها الشركية في جزيرة العرب، لينتقل بعد تمكن شوكته للهجوم على الشيعة الإمامية شمالا في العراق، والإباضية جنوبا في عمان؛ يختلط في حركتها تلك (أي الوهابية) العقائدي بالتوسعي السياسي!!

نشأ المشروع السعودي/الوهابي إذن داخليا بينيا كحركة طاردة مركزية داخل الامة نفسها؛ وإن كنت أحسن الظن والتقييم لكل دوافعه -على الأقل في بداياتها-، لكنه كان في ذلك منعزلا عن الغارات الكاسحة لقوى الاستعمار الغربي الصليبي الذي يجتاح العرب والمسلمين شرقا وغربا وجنوبا وشمالا من جزيرة العرب -مهد الحركة السعودية الوهابية-، ثم الاجتياح اليهودي الصهيوني لفلسطين لاحقا على مرمى حجر من المملكة السعودية!!

مما حدا ببعض أعدائها لاتهامها بالعمالة للمشروع الصهيوصليبي وخدمته بسبب هذه الخصيصة، وليس الأمر كذلك؛ وإنما هي تلك الخصيصة التي كان دائما ما يدندن حولها رفاعي سرور -فيلسوف الحركة الإسلامية-؛ وهي خاصية وقوع الحركات في إسار البدايات ونظريات النشأة!!

فعمدت المملكة السعودية إلى تصدير المذهب مع النفط، وعاد العاملون من كافة دول العالم الإسلامي إلى بلادهم بأموال اكتسبوها من عملهم في السعودية وبأفكار ومبادئ الحركة الوهابية كذلك..

لا تفتأ السعودية تعمل ضد جميع الحركات الإسلامية السنية السياسية مهما كان اعتدالها، ومهما كان تعايشها مع الأنظمة وتماشيها مع التوجه العام للسعودية..

ولكن المشكلة بدأت في الظهور حين ظهرت الحركات الجهادية بأنواعها، والتي استقت مبادئها وأصولها من السلفية الوهابية؛ تلك التي صدرتها السعودية مائة عام وأنفقت عليها عشرات المليارات؛ بدعم الجمعيات التي ترعى ما تم تصديره، وحتى أشد تلك الحركات غلوا وشدة كدولة العراق الإسلامية أو “داعش” في الاصطلاح المضاد لها، فهي تستقي أصولها وقواعدها أيضا من مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب..

ويبدو أن السعودية ارتأت إنهاء مرحلة السلفية بهذا الاعتبار، والعمل على تفكيك هذا الخطاب وتلك المفاهيم السلفية، وأرادت الانتقال لما أسمته أو أسماه بعض رموزها للمرحلة الجديدة؛ أسموه بمرحلة “ما بعد السلفية”، وهو ما قال فيها ربنا مثلا: (كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا)!!

كما لا تفتأ السعودية تعمل ضد جميع الحركات الإسلامية السنية السياسية مهما كان اعتدالها، ومهما كان تعايشها مع الأنظمة وتماشيها مع التوجه العام للسعودية، مما ساهم مع معطيات شرعية وواقعية اخرى لتغذية المد الجهادي الأكثر قوة وحدة في مواجهة الأنظمة ومن ورائها الغرب..

كما ساهمت سياستها التفتيتية تلك؛ في اضطراب وتناقض الخطاب والمناهج السنية داخليا بصورة زاعقة، تكاد تصل الى حالة من الفوضى!!

كما استمر دعم السعودية للمد الإيراني بغير قصد، وفي دينامكية حركة القصور الذاتي العكسية لإرادتها؛ استمرت وأكثر الأنظمة الخليجية في التضييق على الطائفة الشيعية واضطرارها إلى أضيق الطريق الإيراني، وذلك بإلحاق مظالم حقيقية بالفعل؛ بالعنصر البشري الشيعي في تلك الدويلات والإمارات، مما وحد أيضا من مشاعرهم بل وإراداتهم حول المشروع الإيراني..

والعحيب أن محاولات التفكيك الفكري لمكونات ومناهج الخطاب التي اعتبرت معادية أو مضادة للهيمنة الغربية والسياسات العميلة لها؛ العحيب أنها توجهت فقط تجاه الحركات السنية على تنوعها الشدد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولم تفكر يوما في تفكيك الأفكار الشيعية مثلا أو احتوائها بدلا من تصدير خطاب التكفير لها باعتبارها رافضية كافرة، وللإباضية باعتبارهم خوارج مارقة رغم نفورهم بل ورفضهم لهذه النسبة، وللزيدية باعتبارها شيعة مبتدعة، بل والأشاعرة باعتبارهم ضلالا وفرقة مبتدعة رغم إعلانهم انتمائهم للسنة وولائهم لها!!

فالسعودية بهذه الاعتبارات تستعدي جميع الفرق الإسلامية باعتبارها ممثلة للسنة، لكن العجيب انها تفعل نفس الشيء بالجماعات السنية كافة دون تفريق بين مسلح وسلمي ولا بين إخواني أو جهادي، فهي تصنع أعدائها على جميع المحاور ثم تغذيهم وتصدرهم، ثم تبكي إذا ارتدوا في وجهها أو تحولت المنطقة والأمة كلها إلى فوضى عارمة لا تفيد إلا أمريكا وإسرائيل ومن ورائهم كل عدو للإسلام والمسلمين..


التعليقات