مصر المسقبل : من تجريم النقاب إلى الاعتراف بالإلحاد

لم ينقطع التباكي في الصحف الرسمية ، و سائر المنابر الإعلامية على إسلام بحيري ، و فاطمة ناعوت ، و أحمد ناجي بعد صدور أحكام قضائية بالحبس ضدهم بتهم ازدراء الإسلام و الاعتداء على القيم الأخلاقية ، و توجت هذه الكتابات بمقال الكاتب المشهور صلاح سالم بجريدة الأهرام بتاريخ 1/3/2016 بعنوان : عن فتنة الإبداع و تهمة الإلحاد . دعا فيه إلى الاعتراف بالإلحاد ، كما هو الحال في الغرب العلماني فقال فيه :
 
( نحتاج إلى اعتراف بالإلحاد ، لا نطلبه لأجل الثلاثة المتهمين الآن بتهديم الأخلاق و ازدراء الإسلام ، إذ لا نتهمهم بالإلحاد أصلا ، و لكن نود أن نمد الخيط إلى آخره ، و المنطق إلى غايته ، فلا يدور جدلنا حول موقف تكتيكي يتعلق بواقعه خاصة ، أو حادثة مفردة ، بل يمتد ليؤطر كل الوقائع المقاربة و الحوادث المماثلة مستقبلا ) .
ثم ختم مقاله بتمجيد العقل الغربي الذي استطاع أن يصل تدريجيا إلى : ( توازن دقيق بين تياراته المتناقضة أعفاه من الصراعات العبثية بفعل قدرته على إخضاع مسلماته للنقاش و تسامحه مع جل مظاهر الاختلاف ) ، ثم قال : (و هو الأمر الذي يحتاجه عالمنا العربي ) .
 
إن التيار العلماني المتحكم في المنابر الإعلامية الرسمية و غيرها لم يرض بأحكام قضائية بالحبس تتراوح من سنة إلى ثلاث ، يقضيها الإسلاميون في الحبس الاحتياطي قبل أن يحكم عليهم بأضعافها من السنوات ، من أجل معارضتهم للنظام الحاكم ، و قد يكون هذا التعبير منحصر في شعارات على هاتف أو مسطرة ، أو مقالات و كتابات و تحقيقات صحفية .
 
تلك هي العلمانية : تدافع عن حقوق الملحدين و المزدرين للإسلام و حرياتهم بينما لا تجد غضاضة في تجريم تدريجي لارتداء النساء النقاب تأسيا بأمهات المؤمنين زوجات النبي الأمين – صلى الله عليه و سلم – . إن الهجمة العلمانية العسكرية المتوحشة التي أجهضت ثورات الربيع العربي ، و حرفتها عن مسارها ، لا تخوض حربا سياسية فحسب ، بل عقائدية أيضا . سخرت فيها كل قواها ، و استدعت جميع حلفائها ، و جندت مؤسسات الدولة لخدمة مشروعها العلماني في مصر الإسلامية ؛ فها هو وزير ثقافتها يعلن مصر علمانية دون مواربة أو خجل ، و ها هي المنابر الإعلامية الرسمية و غير الرسمية لا تتوانى في الترويج للعلمانية، في الوقت الذي انشغلت فيه المؤسسة الدينية الرسمية بتجديد الخطاب الديني ، لا لترد عن الغرب سهامه النافذة إلى دين أبناء المسلمين ، بل لتشرعن الفتك بالحراك الإسلامي المعارض للنظام تحت ستار الحرب على التطرف الديني .
 
و في هذه الآونة رأى د. جابر نصار رئيس جامعة القاهرة الظرف مواتيا ، ليعيد جامعته إلى مهمتها التي أنشأت من أجلها حين تأسست في مقابل التعليم الديني الأزهري آنذاك ؛ فأصدر قراره بتجريم و حظر ارتداء النقاب على أعضاء هيئة التدريس بالجامعة كخطوة أولى أيدها القضاء الذي رفض الاستجابة لطلبات وقف تنفيذ القرار ؛ ليتجرأ نصار على الخطوة الثانية ، فأصدر قراره الأخير بحظر ارتداء النقاب على العاملات بمستشفيات الجامعة ، طبيبات و هيئة معاونة . و لم تكن حجة دعم التواصل في العملية التعليمية في قراره الأول ، أو حق المرضى في معرفة شخصية من يعالجهم في قراره الثاني ، لتنطلي على اصحاب البصائر ، لا سيما و قد جهر المحتفين بالقرار المشجعين له ، بطبيعة الصراع ، حتى عد بعضهم النقاب رمزا للإرهاب .[ انظر مقالي : إلى أختي المنتقبة  ] .
فلم يمنع النقاب أمهات المؤمنين أزواج النبي الأمين – صلى الله عليه و سلم – من تعليم الأمة ، و كذا كان الحال مع نساء الأمة التي يتفاخرون بها عند الحديث عن مكانة المرأة في الإسلام العلمية و يتغافلون عن أن حجابها لم يكن يوما عائقا لها عن تبوأ أعلى المراتب العلمية و التعليمية .
ثم كيف يمنع النقاب من التعرف على شخصية المعالجات ، و العلاج يتم في المستشفيات الرسمية المقيدات بها ، لا في أماكن يجهل مرتادوها و العاملون بها ، و هل يعسر تحديد الشخصيات المناوبة في كل وردية ؟! إن العلمانيين يحتفون بهذه القرارات في جميع المنابر الإعلامية ، و يطالبون بتعميمها على جميع الجامعات المصرية ، و يعتبرون ما فعله نصار تجربة رائدة و نموذجا يحتذى به ، بل و يطالبون بتعميمها في جميع الوظائف الحكومية ، كخطوة تالية . و ليس بعد ذلك إلا تجريم النقاب في الشوارع كما فعلت بعض الحكومات الغربية العلمانية .
 
تلك هي مصر المستقبل التي ينشدها العلمانيون : الدعوة إلى الاعتراف بالإلحاد صيانة للحريات و تشجيعا للإبداع ، و تجريم زي أمهات المؤمنين تحريرا للمرأة و تجفيفا لمنابع الإرهاب !! و لكن هيهات .. ستظل مصر الإسلامية عصية على هجمات العلمانية . و ستواصل طريقها في إنفاذ إرادة شعبها الذي اختار أن يحكم بشرع الله ، الذي ارتضاه الله لهم ، قال تعالى : ( اليوم اكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا ) .
 
و إن كان الحكم الجبري قد أعمل آلة البطش ؛ لتعبيد الناس بالخوف ليدخلوا ( في دين الملك ) ، و لكن ما عاد يجدي إرهاب جنوده بعد أن انكسر حاجز الخوف في قلوب شباب عرفوا طريق الحرية و الكرامة ، و أبوا حياة العبودية و المهانة ، و انحازوا إلى حزب المفلحين ، و استنصروا بمن لا يغلب جنده ، و تحملوا البلاء ليظفروا بالعاقبة . فهل تفلح القوى الأرضية – و لو اجتمعت كتائبها – في هزيمة من في السماء ؟!
 
و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون .

التعليقات