ماذا وراء الحرب في لبنان؟

يرجى ملاحظة أن هذه المقالة من المقالات القديمة التي لا يتطابق تاريخ نشرها على الموقع مع تاريخ نشرها الفعلي

هناك أربعة عناصر متداخلة ساهمت في رسم المشهد على الساحة اللبنانية وطبعته بلونها الخاص؛ فانطلاقاً من صمود « حزب الله » الذي أذهل كثيراً من المتابعين والمحلِّلين، حيث إنه بقي صامداً أمام الآلة العسكرية اليهودية الخرقاء التي لا تقيم أيَّ وزن للأخلاق التي ينبغي التحلّي بها حتى أثناء الحروب، إلى التخاذل الواضح في الموقف الرسمي لكثير من الدول العربية، والذي تحول من اتخاذ القرارات الفاعلة إلى القيام بعملية التحليل السياسي كأي صحفي يتابع الأمور، أو عرض القيام بالوساطة بين الطرفين كأنهم خارجون من دائرة الاستهداف [1]، ومروراً بالإهمال الشديد في الموقف الدولي الذي يصل إلى حدِّ التآمر مع اليهود كما في الموقف الأمريكي والبريطاني الداعم لليهود، وانتهاءً بالشارع العربي والإسلامي في كثير من الدول الذي تعاطف من غير حدود مع موقف المقاومة المتمثِّل في « حزب الله »، نظراً للعوامل السابقة، حتى ظهرت دعوات كثيرة من الإسلاميين وغيرهم، تؤيد « حزب الله » وتدعو لتناسي أهل السُّنة ما بينهم وبينه من الاختلافات العميقة، حتى يُتهم كل من لا يرى هذا الرأي بأنه مؤيد للعدوان اليهودي أو خاذل لإخوانه! وما من شكٍّ في أن العلاقة المفترضة بين جميع طوائف المسلمين وفِرَقهم، يجب أن تكون على أحسن ما يكون من الوفاق والمودة؛ لوجود الروابط الكبرى التي تجمع بينهم؛ فهم يعبدون رباً واحداً، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد، وقبلتهم واحدة، لكنها مع الأسف لم تكن كذلك بفعل الانحرافات الشديدة عند بعض الفِرَق في الفهم والتطبيق.

وقد أخذت العلاقة بين السُّنة و الشيعة منحى خطيراً، حيث ظلّت مسكونة بالتوتر الشديد على مدى التاريخ الإسلامي، وإن لم يكن ذلك يظهر على السطح في أحيان كثيرة، وليس هناك ما ينافي هذه الحقيقة، وهذا نابع عن نظرتهم القاصرة لأهل السُّنة وعلى رأسهم الشيخان أبو بكر الصديق و عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنهما – وزيرا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وزعمهم أنهم أهل ضلال وكفر نسأل الله السلامة وانظر ذلك في كتبهم المعتمدة لديهم، ومنها:

( الكافي) لـ (الكليني) على سبيل المثال لا الحصر.

عندما قامت ثورة (الخميني) في العصر الحديث في إيران عام 1397هـ، استبشر بها كثير من الناس الذين ليس لديهم إلمام بتاريخ القوم، لكن الأحداث التي صاحبتها والتي تلتها بيّنت أنه لم يتغير عندهم شيء من فكرهم أو عقيدتهم، وأنهم ما زالوا على ما توارثوه من مرجعياتهم وكُتُبهم المعتبرة، التي تحمل مواقف حادّة منا معشرَ أهل السُّنة، ومن السّذاجة بمكان تجاهل ذلك أو تناسيه، أو الدعوة إلى تناسيه من غير أن يكون هناك تغيُّر حقيقي في المواقف؛ إذ إن ذلك له تأثير حقيقي في نظرتهم لأهل السُّنة وتعاملهم معهم.

وقد بات واضحاً بما لا يدع مجالاً للشك دور القوم في إسقاط الدولة المسلمة في بغداد في أواخر العصر العباسي قديماً. وفي العصر الحديث أسهموا في إسقاط حكومة « الطالبان » السُّنية في أفغانستان، وقدّموا للغزاة الأمريكان ما أعانهم على احتلالها، ولم يجدوا حرجاً في الإعلان عن ذلك، عندما أعلن أحد رموزهم (محمد علي أبطحي) أنه لولا الدور الإيراني لما تمكنت أمريكا من احتلال أفغانستان وإسقاط حكومة « الطالبان ». وكذلك كان دورهم في العراق الحديث، فهم لم يجاهدوا المحتلّ، ولم تقم مرجعياتهم حتى بإصدار فتوى بوجوب قتاله، وهذا أقل ما يمكن فعله في مثل هذه الحالة، فإنه من المعلوم أن الكفار إذا نزلوا دار المسلمين محاربين لهم، وجب على كل أحد قتالهم، بل زادوا على ذلك أنهم ساعدوا المحتلّ الأجنبي في احتلال العراق عام 2003م، وكما يقول المسؤول آنف الذِّكر في تتمّة كلامه: « لولا التعاون الإيراني ما سقطت بغداد بهذه السهولة » وهم لم يكتفوا بذلك حتى قتلت ميليشياتهم في العراق ما يربو على مائة ألف من أهل السُّنة، كما ذكر ذلك الشيخ (حارث الضاري) رئيس هيئة علماء المسلمين في العراق.

و « حزب الله » تنظيم ذو أيديولوجية معروفة وهو تابع لإيران عقيدة وتسليحاً، وهم لا يمتنعون من الاعتراف بذلك، بل يصرحون به ولا يستترون؛ فما الذي يدعونا بعد كل هذا للثقة المطلقة في توجهاته، بدون التفطُّن للحقائق التي يتحدث عنها القوم ويعلنونها على رؤوس الأشهاد.

إن هذه العمليات التي يقوم بها ذلك الحزب ليس من أجل أهل السُّنة وهم غالبية المسلمين، أو دفاعاً عنهم وعن قضاياهم، فقد كانت هناك من قَبْلُ مواطن كثيرة ونوازل متعددة بأهل السُّنة، كان يمكن للحزب أن يتفاعل معها، وأن يكون له موقف واضح فيها، لكنه لم يفعل، وهذا ما يدفع إلى محاولة البحث عن السبب الحقيقي وراء هذه العملية؛ فقد يكون هذا الذي يحدث – كما يقول كثير من المحلِّلين – حرباً بين أمريكا وإيران على الأراضي اللبنانية يقوم بها « حزب الله » واليهود بالوكالة عنهما، من أجل المشكلات القائمة بين أمريكا وإيران بسبب الملف النووي الإيراني، وخاصة بعدما أعلن مرشد الثورة (علي خامنئي) عندما قال:

« إذا تعرّضت إيران لأي هجوم أميركي فإنها ستردُّ في أي مكان في العالم ضد أميركا »، وهذا ليس ببعيد، وقد يكون بسبب الصراع بين أمريكا وإيران لبسط النفوذ على مناطق في العالم العربي، الذي صار كَدَارٍ عامرة ليس لها حرّاس، أو كالشاة العائرة التي تتناوشها الذئاب من كل جانب، وهو ما يمكن أن يفسر التواطؤ الأمريكي في هذه الحرب مع اليهود، ويتجلى ذلك في الحيلولة دون إصدار قرار دولي بوقف إطلاق النار، وتسويغ ما يقوم به اليهود بحجة الدفاع عن النفس [2]، والسببان في نظري مترابطان؛ فكل من أمريكا وإيران له أطماع خاصة في المنطقة العربية: فأمريكا تريد الاستيلاء على ثروات تلك البلاد، وإيران تريد الاستيلاء على قلوب أهل تلك البلاد فتنقلهم من السنة إلى مذهبها، وإيران ترى في امتلاكها للسلاح النووي فرصة في التمتع بحالة من القوة المتعاظمة التي تفتقدها الدول العربية تسمح لها بالتمدد العقدي داخل هذه الدول، وفرض إرادتها، وهذا ما يعارض التوجهات الأمريكية والرغبة في الاستئثار بالغنيمة بمفردها، فلو تمكنت إيران من امتلاك السلاح النووي لم يكن أمام أمريكا لإحداث التوازن العربي مع إيران غير السعي إلى امتلاك العرب له، لكن هذا له خطورة على الدولة الصهيونية فهو في الوقت نفسه يُذهب الموقع المتميز في ميزان القوى تجاه الدول العربية، فكان منع تملك إيران للسلاح النووي هو المحقق لكل ذلك وهو يضعف تفسير عملية أَسْر الجنديين اليهوديين بأنها كانت من أجل تحسين صورة القوم في عيون أهل السُّنة بعد دورهم المخزي في أحداث العراق وقتلهم لأهل السُّنة، أو لعله من أجل المنافسة في ذلك لحركة حماس وتسليط الضوء على الحزب الذي بهت في الفترة الأخيرة، لكن هذا لا يمنع أن يكون كل هذا مقصوداً، مع اعتبار أولوية السببين الأول والثاني.

وحزب الله له أجندته الخاصة المندرجة تحت الأجندة الإيرانية، حيث تصل العلاقة بينها إلى حدِّ العلاقة العضوية، والمتقاطعة مع الأجندة السورية، وهو يعمل على تحقيقها بكل السُّبل والوسائل، وهو في هذه الناحية حزب متّسق مع عقيدته وثقافته، ولا يُعاب من أجل هذا، وإنما العيب والذمُّ يقع حقيقة على أولئك الذين ينتمون لأهل السُّنة وهم مع ذلك قابعون خانعون قد أخلدوا للأرض، لا يسعون في سبيل نصرة قضاياهم والتمكين لها في الأرض، بل الرضا بالتبعية والموالاة لأعداء الله من اليهود والذين أشركوا الذين يشنّون حرب إبادة عقدية وثقافية على المسلمين، إلى جانب الحرب العسكرية.

واليهود لا شكَّ أنهم مجرمون، ولم يرَ المسلمون منهم خيراً على مدار التاريخ، فتاريخهم كله إفساد في الأرض من تخريب وفتن وإشعال نار الحروب، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، وهم قاتلو الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم – وقد حاولوا قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجهادهم من أكبر الواجبات التي تخاذل عنها كثير من المسلمين، وخاصة أنهم قد استولوا على أرض المسلمين في فلسطين وأخرجوا أهلها منها بالقوة بعد أن أمعنوا فيهم قتلاً وتشريداً.

واليهود في عدوانهم على لبنان مجرمون، وهم لا يفرِّقون الآن في عدوانهم؛ فضرباتهم تحصد الجميع، الصغير والكبير والسُّنة والشيعة، محاولة لإذلالنا بصورة مهينة، وتركيع للشعوب الإسلامية كلها حتى لا تفكر أبداً في مقاومتهم، كما هو الحال في عدوانهم على الفلسطينيين، فلا يكاد يمرُّ يوم لا يودِّع فيه الفلسطينيون عدداً منهم نحسبهم شهداء من الذين غيّبهم عدوان اليهود وبغيهم، عليهم من الله ما يستحقون.

وبغضِّ النظر عن حسابات « حزب الله » في هذه العملية، والأسباب التي دفعته إلى ذلك، فإذا أمكن أن يكون لأهل السُّنة في لبنان راية يتميزون بها عن غيرهم، فليقاتلوا اليهود تحت تلك الراية الخاصة بهم [3]، وليجتهدوا في ذلك ولا يتقاعسوا، والله ينصرهم ويؤيّدهم بفضله، وأما إذا لم يمكن لهم ذلك، لأسباب تخرج عن وسعهم، وتعيّن الاشتراك مع الشيعة في قتال اليهود لصدِّ عدوانهم وإهلاكهم للحرث والنسل؛ فهذه فيما أحسب مسألة فقهية وليست عقدية وهي تخضع لفقه الموازنات وقاعدة رعاية المصالح، وهذه يقدِّرها أهل العلم والخبرة الذين لهم تعامل قوي مع الموضوع، وأَوْلى الناس بذلك هم أهل لبنان نفسها، وأما من كان خارج الساحة فلا يمكنه أن يقدِّم أكثر من النصيحة، إذ المرابطون هم أدرى الناس بمصالحهم وبما يحتاجون إليه.

وفي الحقيقة إنه لا ينبغي لأهل السُّنة أن يتقاعسوا عن قتال اليهود بدعوى أن اليهود يقاتلون هذا الحزب أو ذلك؛ فعداوة اليهود للمسلمين متأصلة وقتالهم واجب وذلك لصيالهم وعدوانهم واستيلائهم على أرض فلسطين، وإخراجهم أهلها منها.

* ما يمكن أن تسفر عنه الحرب:

من النتائج المحتملة أن تسفر الحرب عن انتصار اليهود فيها، وهذا له مردود خطير على الساحة ككل، فمن ناحية الشعوب فقد يُفقدها ذلك كل أمل في المقاومة، ويفرض عليها خيار الاستسلام، وأما من ناحية القادة فقد يدفعهم ذلك إلى مزيد من التهاون والتنازل والتفريط في حق الأمة، والتسليم بنظرية أن الجيش اليهودي لا يُقهر، وأنه لا أمل ولا خروج مما نحن فيه، إلا في الاستسلام الكامل غير المشروط، ومن ثم تنفيذ كل ما يطلب منهم من غير ممانعة أو اعتراض، ولعلَّ هذا ما يحرص اليهود ومعهم الأمريكان على إيصاله للعرب والمسلمين، ومن الأسف أن هذا قد قال به بعض السياسيين والمفكرين والكُتَّاب، فإلى الله المشتكى، ولعلَّ هذا أحد الجوانب التي تفسر القسوة الشديدة التي تعامل بها اليهود في هذه الحرب – مع عدم إهمال جوانب أخرى – حيث أمعنوا في قتل النساء والصبيان وهدم البيوت على ساكنيها، وضرب البنية التحتية، مع أن كل ذلك لا تستدعيه ضرورة عسكرية، ولكنها عداوة اليهود للمسلمين ومكرهم بما هو معروف عنهم.

لكن في المقابل قد تسفر الحرب عن انتصار « حزب الله »، (وخروج الحزب من هذه الحرب محتفظاً بقوّاته ومكانته، وتفاوضه على مبادلة الأسرى، وعدم قدرة اليهود على فرض شروطهم عليه، وصموده أمام الآلة العسكرية اليهودية الخرقاء لأكثر من خمسة وعشرين يوماً [4]، يُعدّ انتصاراً له من وجهة نظري) لكن هذا الانتصار في الجانب المقابل قد يتسبب في تزكية عقيدة الحزب عند بعض أهل السنة مما ينتج عنه موجة عاتية من المدِّ الشيعي داخل النطاق السُّني مما يشكِّل اختراقاً خطيراً للاتجاه السُّني في مرجعيته لا سمح الله، وهذا قد يترتب عليه تهديد كبير للأنظمة التي تحكم هذه المناطق أيضاً، ومن هذه الوجهة قد لا يكون انتصار « حزب الله » مرغوباً فيه من هذه الأنظمة، وهم يفضِّلون هزيمته في هذه الحالة على خروجه من الحرب منتصراً [5]، وبالإضافة إلى ما تقدّم فإن انتصاره يمثِّل إدانة كبيرة لهم، فهو يظهر ضعفهم وتخاذلهم وتهاونهم في حق أمتهم ودينهم، حيث استطاع هذا الحزب أن يحقق ما عجزت عنه دول، بينما الدول العربية على امتداد نصف قرن من الزمان لم تجنِ إلا مزيداً من الاندحار والهزائم المتتالية في الحروب التي خاضتها ضد اليهود، مع ما لديهم من كثرة العدّة والعدد، في مقابل التفوق اليهودي الكاسح، والتطور الكبير في الصناعات العسكرية، حيث توصلوا إلى صنع القنبلة النووية وشيّدوا منها ترسانة قوية، يقدّرها الخبراء بـ (200) قنبلة نووية أو يزيد، بينما جلُّ بلادنا ما زالت تستورد الدبابات والمدافع والذخيرة بل ما هو دون ذلك من الخارج، كما أن انتصاره قد يعزِّز ثقة الشعوب في قدرتها على تغيير أنظمتها، ويدعم التيار الإسلامي الصاعد الذي يقدِّم نفسه كبديل لهذه الأنظمة، وهذا ربما يترتب عليه حركات وطنية أو ثورية أو جهادية تعمل على تغيير تلك الأنظمة التي لم تعد قادرة على تحقيق طموحات شعوبها.

ومع ذلك فهناك خيار مهمّ لم تمارسه أغلبية الدول العربية بل هو أهمّ خيار على الإطلاق، وهو الذي يستحق أن يُطلق عليه (الخيار الاستراتيجي)، وهذا الخيار هو الذي يقي النطاق السُّني كل هذه المخاطر، وهو التمسك بالإسلام حقيقة عقيدةً وشريعةً وعدم التفريط في شيء منه، وتنفيذ أحكامه، وإعداد العدة التي أمرنا بها تعالى في قوله: } وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ { (الأنفال: 60) فبهذا الإعداد تظل دولنا مرهوبة الجانب، ولا تكون في مجال الابتزاز من أحد، وتأييد المقاومة ومؤازرتها وعدم التخلي عنها، وفتح الباب أمام الدُّعاة للقيام بدورهم في صدِّ هذه الهجمة الطائفية المنتظرة، مع هبوب أول ريح من رياح التغيير، ولو انتبهت هذه الأنظمة لعلمت أن صِمَام الأمان يكمن في هذا الخيار؛ وأنه لا أمان بغير ذلك وإن فعلوا ما فعلوا.

* هل يمكن توسيع نطاق الحرب؟

ما زالت الحرب حتى كتابة هذه السطور محصورة في الساحة اللبنانية، لكن هل يمكن توسيع نطاقها بحيث تشمل دولاً أخرى كـ « سورية » مثلاً؟ الذي يظهر أن هذه الخطوة غير مطروحة، أولاً: لعدم الحاجة إليها عسكرياً، وثانياً: لما يمكن أن يترتب على ذلك من تفجير المنطقة التي قد تقلب الطاولة على رأس أمريكا وحليفتها، فإن توسيع نطاق الحرب سوف يعطي الفرصة بشكل أكبر للجماعات الجهادية، مما يمكنها من أن يكون لها وجود مسموح به، وهذا من أكبر ما تخشاه أمريكا وحلفاؤها، وفي المقابل من ذلك فإن توسيع نطاق العرب سوف يضع الدول العربية المتحالفة مع أمريكا في مأزق شديد، فإذا أدانت أمريكا تعرضت لما تخشاه منها، وإذا صمتت ولم تتخذ مواقف شديدة جداً، فقد يكون ذلك بداية العدِّ التنازلي لبقاء هذه الأنظمة في الحُكم، والذي يظهر للمتابع أنهم لن يقدموا على هذه الخطوة إلا مع الضعف الشديد في تقدير المواقف، وذلك ليس بغريب على أمريكا فقد وقعت في مثله باحتلالها للعراق.

لقد كان موقف الدول العربية المتخاذل من حرب العراق الأخيرة، والرضا من كثير منها بالعدوان الأمريكي عليها، أو عدم القدرة على اتخاذ موقف واضح تجاهها، وإخفاقها في الدفاع عن أحد أعضائها مما يتضح معه سقوط اتفاقيات الدفاع العربي المشترك، التي لم تعد أكثر من مجرد حبر على ورق، مما يمثل شهادة وفاة موثّقة للنظام العربي القومي.

أما الموقف من العدوان اليهودي على لبنان فيمثل شهادة موثقة أخرى ولكن بدفن ذلك النظام وإهالة التراب عليه، مما يتيح لليهود أن يشتطوا في ظلمهم وبغيهم وعدوانهم على الآمنين، وربما تشهد الفترات القادمة عدواناً آخر من اليهود على دول عربية أخرى، وهم آمنون من أن ينالهم ما يكدر صفوهم، فقد أصبح حال كثير من الدول العربية إزاء دولة اليهود على حدِّ قول القائل: « انجُ سعد فقد هلك سعيد ».

ويظهر أنه ينبغي لأهل السُّنة أن يكون لهم حضور قوي على ساحات القتال وميادينه، ضد اليهود، وذلك لأمور، منها:

أولاً: لأن اليهود معتدون وغاصبون لأرض من أراضي المسلمين، وجهادهم واجب شرعي مؤكد، ولا حجة البتة للعرب والمسلمين في التخاذل في الدفاع عن إخوانهم في العروبة والدين.

ثانياً: أنه قد فُتحت لهم جبهة كانت مقفلة عليهم من قبل، ونسأل الله أن تظل مفتوحة ولا تغلق كما في السابق، أو كما هو حال كثير من الدول التي تُعرف بـ « دول الطوق ».

ثالثاً: لمنع انتصار اليهود حتى لا يحدث ما نخشاه من جراء ذلك.

رابعاً: لمنع انفراد القوم بالنصر، وذلك لمنع ما نخشاه من ذلك الانفراد.

…………………………………………………………………………………………………………………………………..

(1) وإن كان حصل نوع من التغير في مواقف بعض الدول بتأثير الضغط الشعبي؛ لكن ليس له مردود على الوضع العام.

(2) وهي حجة غير صحيحة، فإن كل الذي عمله (حزب الله) لم يتجاوز أَسْر جنديين من جنود اليهود والمطالبة بإطلاق الأسرى اللبنانيين في مقابل إطلاق سراحهما، في حين تجاوز الرد اليهودي على ذلك كل حدٍّ معقول، فقد قتلوا لأجل ذلك المئات وأصابوا الألوف، ودمّروا البنية التحتية للبنان، وكل ذلك لا يمكن قبوله بحجة الدفاع عن النفس، فإنه لا دفاع عن النفس في ذلك، بل هي غارة لكسر الإرادة المقابلة، وفرض واقع لا ينبغي تغييره.

(3) وردت الأنباء بتكوين جماعة سنّية أُعلن تشكيلها وهي (جبهة العمل الإسلامي)، قال الشيخ فتحي يكن أحد أبرز المؤسسين لها: إن الهدف الرئيس من وراء تشكيل هذه الجبهة هو (إقامة مرجعية للطائفة السُّنية)، وقال: ورغم أننا نعتبر أنفسنا في خندق واحد مع (حزب الله)، ولكن نحن نشكل جبهة لنعبِّر عن موقف المرجعية السُّنية بكل صراحة في لبنان، وأضاف: ونلتقي مع (حزب الله) إذا حصل إنزال بحري أو بري ما مثلاً، ولكن الجبهة غير تابعة له، ولا توجد وصاية عليها من جهة ما أو نظام ما، والجهاد جزء من واجبها ولا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي، (بتصرف من موقع العربية)، ووردت الأنباء أيضاً بوجود تنظيم عسكري للجماعة الإسلامية (السُّنية) في لبنان معروف باسم (قوات الفجر)، ولهم جهود في مقاومة العدو الصهيوني، ولهم موقع خاص مستقل بهم، كما يشتركون مع (حزب الله) في مواقع أخرى، وتتركز الجماعة بصفة أساسية في الجنوب، حيث يوجد للسُّنة قرى خاصة بهم، وللجماعة وجود بالمناطق المحيطة بصيدا السُّنية، وأشار المسؤول (الشيخ إبراهيم المصري) إلى وجود تنسيق مع (حزب الله) لكن (الجماعة تتحرك بقرار ذاتي بدافع الحفاظ على الوجود الإسلامي في تلك المناطق) (بتصرف من موقع إسلام أون لاين).

(4) وقت كتابة هذا المقال.

(5) وقد أشار بعض المسؤولين في إحدى الدول أن هناك من الدول العربية من أعطى ضوءاً أخضر بشكل مباشر بالعدوان على لبنان للقضاء على (حزب الله).

 

 


التعليقات